يمكننا خلق الشمس والقمر والسماء والأرض. ولو لا كوننا قادرين على أفعالنا ، وإلا لما حصلت هذه التفرقة. وأما إلقاء لفظ الكسب في البين ، فلا فائدة فيه. لأنه إن كان قادرا على التحصيل ، فقد حصل المطلوب. وإن لم يكن قادرا عليه ، فالإلزام المذكور لازم ، ولا واسطة بين القسمين. فكيف ينفع في مثل هذا الموضع إلقاء لفظة مجهولة في البين؟
الحجة الرابعة : لو لم يكن العبد موجدا لأفعال نفسه لبطل القول بإثبات إله ، وبإثبات النبوة. وكون كتب الله المنزلة : حجة. وقد تقدم تقرير هذا الفصل.
الحجة الخامسة : إن الله تعالى عالم بقبح القبائح ، وعالم بكونه غنيا عن فعلها. وكل من كان كذلك ، امتنع كونه فاعلا لهذه القبائح. وذلك يدل على أنه تعالى ما أوجد هذه القبائح البتة.
أما المقدمة الأولى : وهي قولنا : إنه تعالى عالم بقبح القبائح وعالم بكونه غنيا عنها ، فتقريره يتوقف على إثبات أمور ثلاثة :
الأول : أن القبائح إنما تقبح لوجوه عائدة إليها ـ وتقريره سيجيء في مسألة الحسن والقبح ـ.
وثانيها : إنه تعالى غني عن الحاجات.
وثالثها : إنه تعالى عالم بجميع المعلومات. وحينئذ يحصل من مجموع هذه المقدمات الثلاثة ، قولنا : إنه تعالى عالم بقبح القبائح ، وعالم بكونه غنيا عنها.
وأما المقدمة الثانية : وهي قولنا : كل من كان كذلك ، فإنه لا يفعل القبيح البتة. فتقريره : إن صدور الفعل عن القادر يتوقف على حصول الداعي ، والعلم بقبح القبيح مع العلم بالاستغناء عنه : جهة صرف وامتناع. وكون العلم الواحد داعيا صارفا مقتضيا مانعا : محال. فثبت : أنه تعالى يمتنع أن يكون فاعلا لهذه القبائح.
الحجة السادسة : لو كان تعالى هو الخالق لأفعال العباد ، وفيها القبائح