وهذا تقسيم دائر بين النفي وبين الإثبات ، ولا واسطة بينهما. فإن كان فعل العبد في الوجود من العبد ، فقد حصل المقصود. وإن لم يكن به ، فحينئذ يكون أمره بتحصيل العقل مع أنه لا قدرة له على التحصيل يكون أمرا له لما ليس في وسعه. وحينئذ تتوجه المحالات المذكورة. وإذا كان ترتيب الدليل على هذا الوجه لم يكن إلقاء لفظ الكسب (١) في البين : دافعا لهذا الإشكال البتة. وبالله التوفيق.
الحجة الثالثة : لو كان موجد فعل العبد هو الله تعالى ، لكان تكليف العبد بالفعل والترك ، تكليفا بما لا قدرة له عليه ، واللازم باطل. فالملزوم مثله. بيان الملازمة : أن العبد [لو كان (٢)] له قدرة [على الفعل (٣)] لكان إما أن يقدر عليه حال ما خلق الله الفعل ، أو حال (٤) ما لم يخلقه الله. والأول محال. لأن ذلك الفعل لما دخل في الوجود بتخليق الله تعالى ، امتنع أن يقدر العبد على تحصيله. لأن تحصيل الحاصل محال. والثاني محال. لأنه تعالى إذا لم يخلق ذلك الفعل ، فلو قدر العبد على تحصيله كان هذا تسليما ، لكون العبد قادرا على التحصيل والإيجاد ، وذلك ينافي قولنا : إنه غير قادر عليه. فثبت : [أن غيره قادر عليه. فثبت (٥)] أن موجد فعل العبد لو كان هو الله تعالى لما كان العبد قادرا على الفعل البتة. وإنما [قلنا (٦)] أنه قادر على الفعل. لأنه إذا قيل لنا : انتقل من هذا المكان إلى ذلك المكان. ثم قيل لنا : اخلق شمسا وقمرا وسماء وأرضا. فإنا ببديهة العقل ندرك التفرقة بين البابين ، ونعلم بالضرورة : أنه يمكننا الحركة يمنة ، بدلا عن يسرة ، وبالعكس. ولا
__________________
(١) الأشعري قال بالكسب ، كحل وسط بين القائلين بالجبر وبين القائلين بالاختيار. والكسب يرجع إلى الجبر. كما فسره الأشعري نفسه في كتاب الإبانة. فقد ذكر الأشعري الحديث المنسوب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. وفيه أن الملاك يكتب رزق الإنسان وأجله وأن شقى أو سعيد. واحتج به على القدر. فإذن القول بالكسب تبرير بدون دليل من القائل به. لأن القائل به دليل على الجبر.
(٢) من (م ، ل).
(٣) (م ، ل).
(٤) حال لم يخلقه والأول ... (م).
(٥) من (م).
(٦) من (ط ، ل).