التاسع : التوبة واجبة. وقد دللنا على أن تحصيل الندم ليس في الوسع.
العاشر : إن العبد إذا صار مأمورا ، بأن يحرك إصبع نفسه ، فقد صار مأمورا بتحريك جملة الأجزاء التي منها تركب ذلك الإصبع ، في جميع تلك الأحياز ، التي منها تركبت (١) تلك المسافة في جميع تلك الآنات ، التي منها تركب ذلك الزمان. ثم أن كمية تلك الأجزاء مجهولة ، وكمية تلك الأحياز مجهولة ، وكمية تلك الآنات مجهولة. فكان الأمر بهذا الفعل ، أمرا بتكوين ما هو مجهول من هذه الوجوه. وذلك تكليف بما ليس في الوسع. لأن القصد إلى تكوين ما هو غير معلوم ، ولا متصور : تكليف بما لا يطاق.
فثبت بهذه الوجوه العشرة : أن الذي ألزموه علينا ، فهو لازم عليهم. وهذه المسائل العشرة ، كل ما هو جوابهم عنها ، هو جوابنا عما ألزموه علينا. وأما أصحابنا. فقد أوردوا عليهم إلزامات أخرى :
أحدها : أن الذوات عندهم حاصلة في العدم ، فلا يمكن أن يكون للقدر أثر فيها. وأما الصفة صفة (٢) الوجود فهي عندهم حال ، والحال لا تكون معلومة ولا مقدورة. وأما الماهية الموجودة فهي ليست إلا الماهية وإلا الوجود. ولما لم يكن واحد منهما صالحا للمقدورية ، لم يكن المجموع أيضا صالحا للمقدورية. فيلزمهم أن يكون التكليف بالفعل ، تكليفا بما لا يطاق. إلا أن هذا الإلزام غير وارد على «أبي الحسين» فإنه ينكر كون المعدوم شيئا.
وثانيها : إن عندهم الكائنية معللة بمعنى يوجبها. ثم إن أكثر الخلق لا يتصورون هذا المعنى. والقدرة لا تأثير لها في الكائنية أصلا. إذا ثبت هذا ، فنقول : التكليف إن وقع بتحصيل الكائنية ، كان ذلك تكليفا بما لا يطاق. لأن العبد لا قدرة له على الكائنية. وإن وقع بتحصيل ذلك الموجب ، فذلك غير متصور الماهية ، عند أكثر الخلق. فكان التكليف بإيجاده تكليفا بتحصيل ما لا تكون ماهيته متصورة عند الذهن. وذلك تكليف بما لا يطاق. لأن إيجاد
__________________
(١) تركيب (م).
(٢) الصفة (م).