الشيء لا يمكن إلا بالقصد إلى تحصيله والقصد إلى تحصيله مشروط بالعلم بماهيته. وعند فقدان هذا العلم يكون هذا تكليفا بما لا يطاق. إلا أن هذا الإلزام غير وارد على «أبي الحسين» لأنه لا يثبت هذا المعنى. والله أعلم.
وأما الشبهة الثالثة :
فالجواب عنها من وجهين :
الأول : إنا بينا بالدلائل العشرة : أنه تعالى كلف بما لا يطاق. وذلك يبطل قولهم : أنه تعالى لا يفعل ذلك.
والثاني : إنه بناء على الحسن والقبح العقلين. وذلك باطل على ما سيأتي تقريره إن شاء الله.
واعلم : أن أكثر ما ذكروه من الوجوه راجع إلى هذا الأصل. مثل : قولهم : لو جاز تكليف العبد بما لا قدرة له عليه ، لجاز إرسال الرسل إلى الجمادات. وأيضا : لا يجوز من الحكيم أن يخلق شتم نفسه. وأيضا : لو جاز مثل هذا التكليف ، لجاز أن يقيد يديه ورجليه ، ويلقيه من شاهق الجبل ، ثم يضربه ، ويقول له : قف في الهواء. فإن هذه الكلمات يرجع حاصلها إلى أنها قبيحة في العقول. فإذا نازعنا في هذا الأصل ، فقد سقط الكل.
وأما الشبهة الرابعة : وهي قولهم : «لو لم يكن العبد موجدا لأفعال نفسه ، لما أمكن الاعتراف بالصانع وبالنبوة وبكون القرآن حقا» فالجواب : أن الاعتراف بهذه الأصول إن كان موقوفا على العلم يكون العبد موجدا ، لم يكن إثبات كون العبد موجدا ، بالبناء على تلك الأصول. وإلّا وقع الدور [وإن لم يكن موقوفا عليه ، لم يلزم من القدح في كون العبد موجدا ، القدح في تلك الأصول. والله أعلم (١)].
__________________
(١) من (ط ، ل).