الأول : إن الألف واللام في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يفيدان الاستغراق والاستغراق يوجب أن تكون كل المحامد والمدائح لله.
الثاني : إن العبد لو كان هو الموجد للإيمان والطاعات ، لكان فعله أحسن من فعل الله تعالى. لأن أشرف المخلوقات هو العلم والإيمان. ومن كان فعله أشرف من فعل غيره ، كان استحقاقه للحمد أعظم من استحقاق غيره فلو كان الايمان حصل بإيجاد العبد ، لوجب أن يكون استحقاق العبد للحمد ، أكمل من استحقاق الله له. وذلك يقدح في صحة قولنا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
الثالث : إنه تعالى إذا فعل فعلا ، فذلك الفعل إما أن يكون في حقه من الواجبات ، مثل : إعطاء الثواب والعوض ، أو لا يكون من باب الواجبات ، بل يكون من باب التفضل. فإن كان الأول فقد تخلص ذلك الفعل عن استحقاق الذم. فهو تعالى إنما فعل ذلك الفعل ليتخلص عن هذا الضرر ، فلا يوجب الحمد. وإن كان من القسم الثاني فهو تعالى إنما فعله ليكتسب له نوع فضيلة وكمال ، فلا يكون إحسانا محضا. فوجب أن لا يستحق الحمد بسببه. أما على مذهبنا فإنه لا يجب عليه شيء ، ولا يكتسب بفعل شيء مريد محمدة ولا فضيلة ، فكان إحسانا محضا. فلا جرم كان موجب الحمد والمدح.
الرابع : إن قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : مدح منه لنفسه ، ومدح النفس مستقبح فيما بين الخلق. ولما بدأ كتابه بمدح النفس دل ذلك على أن حاله بخلاف حال الخلق ، وأنه يحسن منه ما يقبح من الخلق ، وذلك يدل على أنه تعالى مقدس عن أن تقاس أفعاله على أفعال العباد. وذلك يبطل مذهب الاعتزال بالكلية. فثبت : أن قولنا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) لا يتم إلا على قولنا.
والله أعلم