قد فعل ذلك. فلو حملنا هذا الدّعاء عليه ، كان [هذا (١)] طلبا لتحصيل الحاصل. وهو باطل. بل الهدى عبارة عن الدلالة بشرط أن تكون تلك الدلالة مفضية إلى المقصود ، وذلك إنما يكون بخلق العلم والمعرفة. ولا يقال : فهذا يقتضي أن لا يكون الإيمان حاصلا لهم في الحال. لأنا نقول : هذا غير لازم. وبيانه من وجهين :
الأول : قال بعض المفسرين : المراد بقوله (اهْدِنَا) : أي ثبتنا على هذه الهداية الحاصلة في الحال. وإليه الإشارة بقوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢) والثاني : أن يكون المراد : اهدنا إلى معرفة قدسك وجلا لك وكبريائك. فإنه لا نهاية لهذه المعرفة.
الثاني : إنه قال : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بالهداية والمعرفة. وذلك يدل أيضا على مذهبنا.
والله أعلم
__________________
(١) سقط (م).
(٢) سورة ابراهيم ، آية : ٢٧ وفي تفسير مجمع البيان : «قيل في معنى (اهدنا) وجوه : أحدها : أن معناه : ثبتنا على الدين الحق. لأن الله تعالى قد هدى الخلق كلهم. إلا أن الإنسان قد يزل وترد عليه الخواطر الفاسدة فيحسن أن يسأل الله تعالى أن يثبته على دينه ويديمه عليه ويعطيه زيادات الهدى التي هي إحدى أسباب الثبات على الدين ، كما قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) وهذا كما يقول القائل لغيره وهو يأكل : كل. أي : دم على الأكل. وثانيها : أن الهداية هي الثواب لقوله تعالى (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) فصار معناه : اهدنا إلى طريق الجنة ثوابا لنا ، ويؤيده قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) وثالثها : أن المراد دلنا على الدين الحق في مستقبل العمر ، كما دللتنا عليه في الماضي ... الخ.