ذلك نص في أن هذه الأشياء منهم. ه ـ (قالُوا : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ، وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ، وَنُقَدِّسُ لَكَ) (١) فأضافوا الفساد وسفك الدماء إلى الشر ، وأضافوا التسبيح والتقديس إلى أنفسهم. وبالجملة : فأمثال هذه الإضافات والإسناد في القرآن مما لا حد لها ولا حصر. وطريق الاستدلال بالكل : أن نقول : خروج هذه الأفعال من العدم إلى الوجود. إما أن يكون بقدرة الله تعالى ، أو بقدرة العبد. فإن كان بقدرة الله لم يكن للعبد قدرة ، لا على وجودها ، ولا على عدمها. لإن الله تعالى إذا خلقها فهي حاصلة. سواء أراد العبد ذلك ، أو لم يرده. وإذا لم يخلقها ، لم يقدر العبد على تحصيلها. فثبت : أن حصول الفعل ، لو كان بقدرة الله لم يبق للعبد إليه اختيار ومكنة ، وعند هذا لا يكون الفعل فعلا للعبد ، وحينئذ تصير هذه الآيات الدالة على كونه فاعلا ، كلها أكاذيب وأباطيل وأضاليل. ولما كان ذلك باطلا ، علمنا أن العبد موجد لأفعال نفسه. ولا يقال : العبد وإن لم يكن موجدا لأفعال نفسه ، لكنه مكتسب لها. لأنا نقول : هذا اللفظ غير ملخص المعنى. إلا أنا ذكرنا في الدليل : أن المؤثر في إخراج (٢) هذه الأفعال من العدم إلى الوجود. إما أن يكون هو العبد ، أو لا يكون. فإن كان هو العبد فقد حصل المطلوب. وإن لم يكن هو العبد ، لم يكن العبد على هذا التقدير متمكنا لا من الفعل ، ولا من الترك. وذلك يقتضي كون هذه الآيات أكاذيب. وإذا كان لا واسطة بين النفي وبين الإثبات ـ ونحن أبطلنا أحد القسمين ـ فحينئذ يبقى [الثاني (٣)] لا محالة. فكان إلقاء لفظ «الكسب» في هذا الموضوع : محض التزوير.
والجواب : لا شك أن القرآن مملوء من هذا النوع من الآيات. فإنكارها يكون إنكارا للقرآن ، وقد دلت الدلائل القاهرة على أن الكل بقضاء الله وقدره ، فلا بد من التوفيق بين البابين. فنقول : مجموع القدرة مع الداعي
__________________
(١) سورة البقرة ، آية : ٣٠.
(٢) خروج (م).
(٣) زيادة.