مذكور في كتاب الله ، ثم عطف عليه النفي العام فقال : (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ)
الوجه الثاني في الجواب : [أنه يجوز (١)] أن يكون المراد من الكتاب : التوراة (٢) ويكون المراد في قولهم (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) : إنه موجود في كتب سائر الأنبياء مثل : «إشعياء» و «إرمياء» و «حبقوق» وذلك لأن اليهود كانوا في نسبة تلك التحريفات إلى الله منجرين. فإن وجدوا قوما أغمارا جهالا بالتوراة ، نسبوا تلك المحرفات إلى أنها من التوراة. وإن وجدوا عقلاء لا يروج عليهم ذلك الكلام. زعموا : أنه موجود في كتب سائر الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى عليهالسلام. فثبت بهذين الوجهين : أنه لا يلزم عطف الشيء على نفسه. وقوله : «كون المخلوق من عند الخالق ، آكد من كون المأمور به من عند الآمر ، وحمل الكلام على الوجه الأقوى : أولى» قلنا : لكن هاهنا قرينة أخرى تدل على أن الذي قلناه أولى. وذلك لأن الجواب لا بد وأن يكون مطابقا للسؤال ، والقوم ما ادعوا أن التحريف الذي ذكروه وفعلوه خلق الله تعالى ، وإنما ادعوا أنه حكم الله (٣) ونازل في كتابه. فوجب أن يكون قوله : (وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) إلى (٤) هذا المعنى لا إلى غيره. وهذا الكلام يصلح لجعله جوابا عن السؤال الثالث [وأيضا : فعنه (٥)] جواب آخر ، وهو أن يكون تأدى هذا الحكم حكما لله تعالى وكون هذا الشيء مخلوقا لله تعالى : معنيان مختلفان ، وحمل اللفظ المشترك على كل مفهوميه لا يجوز ، ولما ثبت أنه لا بد وأن يكون هذا اللفظ محمولا [على نفي الحكم [وجب أن لا يكون محمولا على (٦)] نفي
__________________
(١) من (ط).
(٢) الصحيح : أن المراد من الكتاب هو التوراة. واليهود الفريسيون ، الذين يدعون الغيرة على الشريعة الموسوية ـ وهم طائفة من اليهود العبرانيين ـ هم الذين يلوون ألسنتهم بالمد والغنة وترقيق الحروف وتفخيمها ، ليوهموا السامعين أنه كلام الله. ويبعدوا شبهة التحريف عن التوراة.
(٣) من (ط).
(٤) وحكيم الله هو خلقه.
(٥) عليه إلى [الأصل].