وبالعكس. بل قد يكون قويا في الهندسة ، ضعيفا في الحساب ، مع قرب أحد العلمين من الآخر.
وإذا وقفت على ما ذكرناه ، أمكنك استقراء أحوال الخلق ، وتفاوت طبائعهم ، في كون كل واحد منهم مستعدا لصناعة ، وبعيدا عن صناعة أخرى. والاستقراء يدل أيضا : على أن ذلك التفاوت ذاتي غريزي جوهري ، لا يمكن زواله البتة. وإلى هذا المعنى أشار صلوات الله [وسلامه (١)] عليه بقوله : «الناس معادن. كمعادن الذهب والفضة» وقال أيضا : «الأرواح جنود مجندة».
[والخطباء (٢)] والشعراء يذمون ويمدحون بهذه المعاني فيقولون : فلان [له (٣)] نفس كريمة سخية. وفلان له نفس لئيمة نذلة ضعيفة. بل لو اعتبرنا وتأملنا ، لعلمنا أن تفاوت الخلق في هذه المعاني ، قد يكون الأكثر (٤) جبليا غريزيا. حتى أن النفس النذلة ، لو اجتمع العالمون في إزالة تلك النذالة عنها ، فإنها لا تزول. و[لا (٥) أعني بهذا : أفعال النذالة والخزية. فإن تلك الأفعال قد تتبدل بالتكلف. وإنما أعني به : الأخلاق النفسانية ، والملكات الغريزية.
والسبب الثاني من الاسباب الداخلية : اختلاف أحوال الأمزجة. فإن من كان حار المزاج. وخصوصا مزاج الدماغ. فإنه يكون شديد الغضب ، مشوش الفكر. ومن كان بارد الدماغ ، كان بليدا ، ناقص الفكر. ومن كان يابس الدماغ ، فإنه تضعف عليه الأفكار لأن دماغه بسبب ما فيه من اليبس ، لا يقبل الصور النفسانية ، قبولا سهلا. ومن كان رطب الدماغ ، فإنه لا يكمل فكره. لأن الصور الدماغية ، تصير منحجبة عن الدماغ ، زائلة عنه ، بسبب ما فيه من الرطوبة.
والسبب الثالث من [الأسباب (٦)] الداخلية : اختلاف أشكال
__________________
(١) من (ل) س
(٤) الأكبر (ط).
(٢) من (م ، ل).
(٥) من (ط ، ل).
(٣) من (م ، ل).
(٦) من (ط ، ل).