إحدى هاتين القضيتين هي الموصوفة بالصدقية في نفس الأمر ، والأخرى هي الموصوفة بالكذبية في نفس الأمر بل نحن لا نعرف أن الموصوف بالصدقية أي الطرفين؟ والموصوف بالكذبية أيهما؟ فأما في نفس الأمر ، فإنه يجب أن يكون أحدهما بعينه موصوفا بالصدقية ، والأخرى بالكذبية. إذا ثبت هذا ، فنقول : إن هذا يقتضي أن تكون جميع الحوادث المستقبلة : مقدرة على وجه ، يمتنع تطرق الزيادة والنقصان والتغيير إليها. على ما هو مذهبنا في مسألة القضاء والقدر.
والدليل عليه : أن الجانب الذي صدق عليه أنه سيقع في الوقت الفلاني. إما أن يكون أن لا يقع في ذلك الوقت ، أو لا عكس. والأول باطل. لأن كل ما كان [ممكنا (١)] فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محال. فليفرض غير واقع. وإذا لم يقع ، صار قولنا : إنه سيقع : كذبا من أول وقت دخول هذا الخبر في الوجود. وكنا قد فرضنا : أنه كان موصوفا بالصدقية. فإذا لم يحصل ذلك الفعل ، في ذلك الوقت ، لزم من عدم وقوعه في ذلك الوقت، ارتفاع الصدقية من ذلك الخبر ، من أول دخوله في الوجود. فيلزم أن يكون عدم وقوع ذلك الفعل في ذلك الوقت ، موجبا زوال صفة الصدقية عنه في الزمان الماضي ، فيفضي هذا إلى إيقاع التصرف في الزمان الماضي. وإنه محال. فثبت : أن عدم وقوع ذلك الفعل في ذلك الوقت ، يلزم منه محال. والممكن هو الذي لا يلزم من فرض وقوعه محال. فثبت : أن عدم وقوعه في ذلك الوقت محال. فكان وقوعه فيه واجبا وهو المطلوب.
فإن قيل : مدار كلامكم على أن كون الخبر صدقا وكذبا : صفة حقيقة. تستدعي موصوفا موجودا ، وكل موجود فهو في نفسه معين. فنقول : لا نسلم أن كون الخبر صدقا أو كذبا : صفة وجودية. ولم لا يجوز أن يكونا أمرين اعتباريين ، لا حصول لهما في الأعيان؟.
__________________
(١) من (ط ، ل).