والجواب من وجوه :
الأول : إن الصدقية والكذبية متقابلان بالسلب والإيجاب. لأن الصدق هو الخبر المطابق ، والكذب هو الخبر الذي لا يطابق. ولما كان هذان الوصفان متقابلين بالسلب والإيجاب ، كان أحدهما لا محالة صفة ثابتة موجودة. وإذا كان كذلك ، وجب أن يحصل له موصوف معين. وحينئذ يحصل المطلوب.
ولا ينافي مذهبنا أن الصدقية والكذبية وصفان سلبيان ، لأن الوصف السلبي لا بدّ له أيضا من محل معين. لأن هذا السلب عبارة عن عدم شيء [عن شيء (١)] من شأنه أن يكون حاصلا [له (٢)] فما لم يحصل إمكان حصول ذلك الوصف لذلك الموصوف ، امتنع أن يحكم الذهن بزواله عنه. فثبت : أنه وإن كان سلبيا إلا أنه لا بد له من محل معين.
[الثاني (٣)] : وهو إنه إذا كان هذا الطرف بعينه خاليا عن الصدقية والكذبية ، كان مجرد قولنا : «زيد غدا يمشي» : خاليا عن كونه كاذبا ، وخاليا عن كونه صادقا. فتكون هذه القضية بعينها خالية عن النقيضين معا. وذلك محال ، وكذا القول في الطرف الآخر. لا يقال : إنه وإن خلا عن الصدقية بعينها ، والكذبية بعينها ، لكنه ما خلا عن كونه. إما صدقا وإما كذبا. لأنا نقول : هذا الإيهام إنما يقع في الأذهان. أما في الأعيان. فالحاصل إما وصف الصدقية ، وإما وصف الكذبية. فإذا كانت القضية خالية عنهما معا ، لزم خلوهما عن النقيضين. وهو محال.
واعلم : أن هذا البرهان قد دل على أن جميع الحوادث المستقبلة ، مترتبة في أنفسها ترتبا ، يمتنع على المتقدم أن يصير متأخرا ، أو على المتأخر أن يصير متقدما. وذلك يبطل الاعتزال بالكلية. ثم إنا إذا أردنا أن نبين أن ذلك الوجوب إنما حصل بإيجاب الله تعالى وبتقديره. قلنا : إن ذلك الموجب يمتنع أن
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (ط).
(٣) الثالث (ل).