وجوده مستمر على عدمه الأصلي ، فلم يكن لقدرته فيه أثر ، فيمتنع كونه قادرا عليه. لأنه لما كان في إحدى الحالتين قادرا عليه ، وفي الحالة الثانية لا قدرة له عليه ، والتخيير بين الحال التي فيها يقدر على الفعل ، وبين الحال التي لا يقدر فيها على الفعل ، يجب أن يكون مدركا. لأن التمييز بين حال الاقتدار ، وبين حال عدم الاقتدار : تمييز معلوم بالضرورة. فكان يجب أن لا يحصل هذا الالتباس. وحيث حصل : علمنا. أن العبد لا قدرة له على الايجاد.
وثانيها : إن الناس تحيروا في أن من أوجد شيئا. فتأثير إيجاده. أيحصل في نفس الماهية ، أو في الوجود ، أو فيهما؟ ولو كان هذا الإيجاد واقعا به ، لعلم بالضرورة : أن الذي أوجده وأوقعه : ما ذا؟.
وثالثها : إن الناس تحيروا في أن المؤثرية. هل هي نفس الأثر؟ منهم من قال : غيرها. لأن المؤثر موصوف بالمؤثرية ، وغير موصوف بالأثر. فأحدهما مغاير للآخر. ومنهم من قال : بل المؤثرية نفس الأثر. إذا لو كان مغايرا له ، لكان (١) اقتضاء ذات المؤثر لتلك [المؤثرية (٢)] زائدا عليه. ولزم التسلسل.
ورابعها : إن الناس تحيروا في أن محل العلم. أهو القلب ، أو الدماغ ، أو شيء آخر سواهما ـ هو النفس الناطقة؟ ـ وبتقدير أن كون محل العلم هو القلب أو الدماغ. فهو جميع أجزائها ، أو بعض أجزائها. ولو كان موجد العلم هو العبد ، لوجب أن يعلم أنه في أي موضع أوجده؟ وفي أي محل أحدثه؟ ولو كان الأمر كذلك ، لما بقي ذلك الاشتباه. وحيث بقي ، علمنا : أن حصول هذه العلوم ليس بإيجاده. فظهر : أن اختلاف الناس في هذه المطالب ، يدل على أن عقول أكثر الخلق قاصرة عن حضور ماهية الإيجاد والتكوين. وإذا كان كذلك ، فكيف يدعى أن جميع الحيوانات ، حتى البهائم والحشرات تقصد إلى الإيجاد والتكوين [والإنشاء (٣)] مع أن حقيقة الإيجاد والتكوين غير متصورة
__________________
(١) لكان تلك اقتضاء (ل).
(٢) من (ط ، ل).
(٣) (م ، ل).