الثاني : إنه لو قدر العبد على إيجاد بعض الممكنات ، لما كان لقدرته تأثير ، إلا في إعطاء الوجود. لأنا بينا في سائر كتبنا بالدلائل الكثيرة : أن وجود الممكنات زائد على ماهياتها. ولا يمكن أن يكون تأثير القادر في تكوين الماهيات. فإن الشيء ما لم يكن ممكن الوجود ، لم يتصور أن يكون للقادر فيه تأثير. فتأثير القادر فيه ، مسبوق بكونه في نفسه ممكن الوجود ، وكونه في نفسه ممكن الوجود (١) يقرر ماهيته المخصوصة. لأن إمكانه صفة له ، وصفة الشيء متأخرة بالرتبة عن الموصوف. فثبت : أن تأثير القادر فيه : متأخر عن تقرر ماهيته بمرتبتين. ولو كان تأثير القادر في ماهيته ، لكان تقرر ماهيته متأخرا عن تأثير القادر فيه ، وحينئذ يلزم أن يكون المتقدم على الشيء بمرتبتين ، متأخرا عنه. وذلك محال. فثبت بهذا الوجه : أن تأثير القادر ، تبين في جعل الماهية ماهية ، بل ذلك التأثير في جعلها موجودة. فثبت : أن العبد لو كان قادرا على الإيجاد ، لما كان لقدرته تأثير إلا في إعطاء الوجود.
واعلم : أن هذا كلام حسن قوي. إلا أنه يشم منه رائحة : أن المعدوم شيء. فثبت : أن العبد لو كان قادرا على إيجاد بعض الممكنات ، لما كان لقدرته تأثير إلا في إعطاء الوجود. فنقول : لو كان الأمر كذلك ، لوجب أن يقدر على كل الممكنات. وذلك لأنه [لما (٢)] كان لا تأثير للموجد ، إلا في إعطاء الوجود ، وثبت : أن الوجود قضية واحدة في جميع الممكنات ، ولا تفاوت بينهما البتة في هذا المفهوم : لزم أن يكون القادر على إيجاد (٣) بعض الممكنات ، قادر على إيجاد كلها. ضرورة أن القادر على الشيء قادر على مثله.
الوجه الثالث في بيان أن العبد لو قدر على إيجاد بعض الممكنات ، لقدر على إيجاد كلها : أن نقول : مذهب مشايخ المعتزلة : أن المعدوم شيء ، وأن القادر لا تأثير له إلا في إعطاء الوجود. وثبت : أن الوجود مفهوم داخل في الكل ، وثبت : أن القادر على الشيء قادر على مثله : لزم أن يكون القادر على
__________________
(١) لا وجود (ط).
(٢) من (ط ، ل).
(٣) الإيجاد (ط).