بيان الشرطية : أن العبد لما كان قادرا على الأفعال المختلفة ، كان رجحان البعض على الباقي لا يكون إلا بقصده ، فوجب أن لا يقع ، وان لا يحدث إلا ما قصده وأراده. وبيان أنه ليس كذلك : أن العبد يقصد تحصيل العلم الحق ، والاعتقاد الصواب ، فلا يحصل له ذلك ، بل يحصل له الجهل والباطل. ويقصد الإيمان ، فيحصل له الكفر. بل نقول : الإنسان إذا كتب سطرا ، فلو أتى بجميع حيل الدنيا ، حتى يكتب سطرا آخر ، يشابه الأول ، في جميع الكيفيات المحسوسة. لعجز عن ذلك. فثبت بما ذكرنا : أنه لو كان فعله بإيجاده ، لما وقع إلا ما قصد إيقاعه. وثبت : أنه ليس كذلك ، فوجب أن لا يكون فعله بإيجاده. وهذه الدلالة أخذتها من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «عرفت ربي بنقص العزائم ، وفسخ الهمم».
فإن قيل : إنه إنما حصل له هذا الاعتقاد المخصوص ، لأنه ظن أن هذا الاعتقاد علم وحق وصواب. فلهذا السب اختاره وحصله ورضي به.
فالحاصل : أنه إن علم كونه جهلا ، لما رضي به ، ولكنه لما اعتقد فيه أنه هو العلم. لا جرم رضي به واختاره.
والجواب : إن هذا باطل من وجهين :
الأول : إنه إنما قصد تحصيل هذا الاعتقاد. لأنه كان قد اعتقد أن هذا الاعتقاد : علم. فلولا تقدم ذلك الجهل ، وإلا لما رضي بهذا الجهل الثاني. فنقول : ذلك الجهل الأول ، كيف حصل؟ فإن كان [ذلك (١)] لتقدم جهل آخر ، لزم التسلسل. وإن [كان (٢)] ذلك لأنه اختار الجهل وارتضاه لنفسه ابتداء. فهذا محال. فلم يبق إلا أن يقال : الجهالات تترقى إلى جهل أول ، خلقه الله تعالى في العبد ابتداء. وذلك هو المطلوب.
الوجه الثاني : أن من أنصف : علم أنه لا اختيار للعبد البتة في حصول
__________________
(١) من (ط ، ل).
(٢) من (ل).