ولكن لا يخفى انه لا يمكن انكار مثل هذا المعنى لأنه امر متحقق زائد على الارادة ومقدماتها ، إلا انه مع ذلك لا يفيد القائل بالمغايرة لأن هذا المعنى الثالث لا يحكم العقل بموافقته ولا بمخالفته ، إلا وان تقترن به ارادة ، اللهم إلا ان يقال ان الاشاعرة لا يرون العقل هو الحاكم بالموافقة والمخالفة لعدم التزامهم بالتحسين والتقبيح العقليين ، وانما يرون ان الموافقة والمخالفة تتبع ترتب الثواب والعقاب فيحكمون بثبوته فيما لو حكم الشارع بثبوته ويحكمون بعدمه فيما لو نفى الشارع الحكم عنه ، وان كان العقل فى بعض الموارد يقبح ما اثبته الشارع ويحسن ما نفاه ، وكيف كان فقد استدلت الاشاعرة على المغايرة بين الطلب والارادة بامور :
الأول انه لا ريب في تحقق الاوامر الامتحانية مع العلم بعدم تحقق الارادة الجدية فيها فعلى القول بالاتحاد يلزم نفي الطلب عنها ومع عدمه لا معنى لتحقق الاوامر فيها فتحققها يستلزم تحقق الطلب لاخذه في مفهوم الامر مع عدم وجود الارادة فيها. ولازم ذلك تحقق المغايرة.
الثاني : انه لا إشكال في تكليف الكفار والعصاة وانهم معاقبون على عدم الاتيان بمتعلقات التكاليف ولازم ذلك تحقق الطلب فيها إذ لا معنى لتحقق التكليف بلا طلب مع ان الارادة فيها ليست بمتحققة وإلا لزم تخلف المراد عن ارادته تعالى.
الثالث : ان التكاليف الشرعية المتعلقة بالعباد لا يعقل تحقق الارادة فيها لأنها لا بد ان تتعلق بما هو مقدور والمفروض ان المكلف مجبر على اتيان فعله فحينئذ لا ارادة مع تحقق التكليف المشتمل على الطلب اذ مع انتفائه ينتفى التكليف مع انه بالوجدان ان العباد مكلفون بهذه التكاليف. ولكن لا يخفى ما في هذه