المبحث الرابع في ان صيغة أفعل هل هي ظاهرة فى الوجوب أم لا؟ لو سلم عدم الوضع له قيل بظهورها فيه استنادا الى غلبة الاستعمال أو غلبة الوجود أو اكمليته ولكن لا يخفى ان شيئا منها لا يوجب الظهور. أما غلبة الاستعمال فهو وان أوجب الظهور إلا إنه لو تحققت مع ان الاستعمال في الندب كثير لو لم يكن اكثر. وأما غلبة الوجود لمنع ذلك أولا وثانيا لا توجب الظهور وأما اكملية الوجوب فهي لا توجب الظهور وإلا لزم انصراف الفاظ المشككة الى المرتبة الشديدة على ان ذلك لا يتم بناء على ان مفاد الصيغة هي لنسبة الإيقاعية وليس الوجوب اكمل باعتبارها. والتحقيق ان الموجب للظهور هو ان الوجوب من قبيل الوجود المطلق لاشتماله على الشدة الذي هو من سنخه بخلاف الندب فانه من قبيل الوجود المحدود لاشتماله على الضعف وهو من حدوده فلذا لا يكون من سنخه فارادة الندب تحتاج الى بيان ذلك فمع عدم البيان بمعونة مقدمات الحكمة تكون صيغة أفعل ظاهرة في الوجوب وعلى ذلك يحمل ما ذكره الاستاذ قدسسره في الكفاية ما لفظه (فان الندب كانه يحتاج الى مئونة بيان التحديد والتقيد بعدم المنع من الترك بخلاف الوجوب فانه لا تحديد فيه للطلب ولا تقيد فاطلاق اللفظ وعدم تقيده مع كون المطلق في مقام البيان كاف في بيانه فافهم) (١).
__________________
(١) لا يخفى ان ما ذكره في الكفاية يمكن ان يحمل على ان الوجوب منتزع من الطلب التام والندب منتزع من الطلب الناقص فان التمامية من سنخ الطلب بخلاف النقص فالندب يحتاج الى مئونة زائدة بخلاف الوجوب كما انه يمكن حمل كلامه قدسسره على كون الوجوب والندب أمرين عقليين بان يحكم العقل بالانبعاث نحو المأمور به عند اطلاق الصيغة فيكون الوجوب حينئذ من المداليل الالتزامية العرفية وحكمه بالندب عند قيام الدليل على الرخصة وعلى هذين الوجهين يرتفع