بغداد ، هذا فضلاً عن كون تلامذة أهل البيت عليهمالسلام من العراقيّين هم أكثر بكثير من تلامذتهم عليهمالسلام في جميع بلاد الإسلام ، بل لا توجد نسبة بينهما أصلاً. فالتشيّع وإن كان حجازيّ المَنْبِت والولادة ، إلاّ أنّه كوفيّ الثمرة ، عراقيّ الشهرة ، فكيف لا يكون العراق ـ بالنسبة للكليني ـ مقصوداً إذن؟ ويبدو أنّ شبهة الهجرة السياسيّة إلى عاصمة الدولة العبّاسيّة قد اعتمدت على مقولة دخول الكليني إلى بغداد بوقت متأخّر من عمره الشريف ، وارتبطت بها ارتباطاً وثيقاً! وقد عرف فسادها من أنّ ثقة الإسلام هاجر إلى العراق قبل دخول البويهيّين إلى الريّ بأكثر من عشرين سنة ، أي في الوقت الذي لم تظهر للبويهيّين فيه أيّة شهرة أو سلطة سياسيّة.
وأمّا عن ادّعاء التأثّر بالمنهج العقلي ، والإيحاء بأنّه السبب المباشر في هجرة الكليني إلى بغداد دون قم! فهو زعم باطل من وجوه عديدة ، نشير لها باختصار :
الوجه الأوّل : أنّه لو اجري مَسْحٌ شامل لأحاديث الكافي ، وتمّ إرجاعها إلى مشايخ الكليني المباشرين لوجدت أكثر من ثلثي الكافي يرجع إلى مشايخه القمّيّين دون غيرهم ، ويكفي أنّ أكثر من نصف أحاديث الكافي عن عليّ بن إبراهيم ، ومحمّد بن يحيى القمّيّين.
الوجه الثاني : أنّ شيخ المدرسة القمّيّة في زمانه الشيخ الصدوق رحمهالله الذي مثّلوا به في المقام ، قد احتجّ بمسانيد ومراسيل ومقاطيع سهل بن زياد في سائر كتبه ، فقد خرّج له في إثني عشر كتاباً من كتبه مائة وثلاثين حديثاً.
الوجه الثالث : المعروف أنّ الكليني يحدّث عن سهل بتوسّط « العدّة » غالباً ، وبدونها أحياناً ، وإذا عُدنا إلى رجال عدّة الكافي عن سهل لا نجد فيهم بغداديّاً واحداً ، بل كلّهم من بلاد الريّ ، وما رواه عنه من غير توسّط العدّة فجميعه عن القمّيّين.
الوجه الرابع : روايات الكافي وإن تناولت الكثير من المباحث العقلية إلاّ أنّها مسندة إلى أهل البيت عليهمالسلام ، واختيارها لا يكوّن علامةً فارقةً في التأثّر بالمنهج العقلي ، ولتأثّر مدرسة قم وقادتها بتلك الروايات أكثر من الكليني مّرات ومرّات ، فالصدوق الذي عدّ ممثّلاً لمدرسة قم كانت له آراء عقليّة كثيرة جدّاً في كتبه لا سيّما في أوائل إكمال الدين ،