كتاب الكافي ، وهو الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا من مؤلّفات ثقة الإسلام ، وهو موسوعة حديثيّة ، فيه إلى جانب ما يلي حاجة الفقيه ، والمحدّث ، دقائق فريدة تتعلّق بشؤون العقيدة ، وتهذيب السلوك ، ومكارم الأخلاق.
وقد رُزق هذا الكتاب فضيلة الشهرة في حياة مؤلّفه ، إذ لا نظير له في بابه ، ولكون الكافي هو المعبّر الوحيد عمّا يمتلكه الكليني من طاقات علمية ، فلابدّ من الحديث المختصر عنه ، لتكتمل من خلاله الصورة الواضحة لشخصية مؤلّفه ، ودوره العظيم في تطوير ودفع الحركة العلمية والفكرية ـ بهذا الكتاب ـ خطوات واسعة إلى الأمام ، فنقول :
إنّ الطريق إلى فهم الدين الحقّ بلا عِلْمٍ محال ، والعلم بلا تعقّل الأشياء سفسطة ، وكلّما ازداد الإنسان علماً ازداد فهمه وتعقّله ، وازدادت معرفته بالله عزّ وجل. وكلّما تنامت معرفته بخالقه عظمت خشيته منه وامتثال أوامره ؛ لأنّ أعلم الناس بأمر الله عزّ وجل أحسنهم عقلاً ، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة. وهذا هو الهدف الأسمى في الوجود كلّه ، ومن هنا جعل الكليني رضي الله تعالى عنه كتاب العقل والجهل بمثابة الطريق الموصل إلى قلعة الكافي.
وبما أنّ قوّة التقليد لا تستمر إلاّبقداسة الماضي في النفوس ، وإذا ما ضعفت تلك القداسة أو انعدمت انهار البناء ؛ لذا صار التقليد ممقوتاً في معرفة حقائق الأشياء ، فكان اللازم فهم تلك الحقائق ببديل موضوعي لا يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان وليس هو إلاّ القوّة الدائمة المتواترة التي تعكس قوّة العقيدة وتجذّرها في الأعماق ، الأمر الذي هتفت به مدرسة أهل البيت عليهمالسلام بكلّ قوّة وأوصله ثقة الإسلام إلى جميع الامّة بأقصر السبل وأكثرها أماناً من خلال كتابي التوحيد والحجّة من كتب الكافي.
والكافي لم يغرق في ضبابية الأفكار السطحيّة أو التجريبيّة لينفصل بهذا عن الواقع