الإسلامي ويبتعد عن حياة الناس في جميع عصورهم ، كما نجده في تنظير بعض كتب الحديث لجملة من الأوهام والخرافات التاريخيّة التي لا تمتلك ما يؤهّلها لأن تتصدّر كلّ حوار إسلامي نظير خرافات التجسيم ، والتشبيه ، والحلول ، والاستواء. فضلاً عن أساطير بعض أشراط الساعة كمعجزات الدجّال ، والجسّاسة ، وابن صياد!! ؛ ولهذا انطلقت موسوعة الكافي في عالم الحقيقة الرحب وفضاء الدين الفسيح ، لتوقّفنا على صورة رائعة وقضيّة إسلاميّة في الصميم ما أبعدها عن الخيال الذي يبحث عن موطئ قدم له في عالم الواقع ؛ لأنّها تمثّل من الحياة الإسلامية عصارتها ، ومن الواقع الديني لبّه ، قضيّة تبيّن للناس جميعاً كيفيّة الارتقاء بالنفس إلى الملكوت الأعلى أو الهبوط بها إلى أسفل السافلين ؛ الأمر الذي تصدّى له الكليني بكتاب الإيمان والكفر من كتب الكافي ، وشكّل به تحدّياً لجميع كتب الحديث.
وهكذا يتمّ استكشاف طبيعة الدور الفكري والحضاري الذي لعبته كتب الكافي الاخرى في حركة التاريخ الشيعي بعد عصر الغيبة وإلى اليوم ، ومن خلال تسليط الباحثين الضوء على بقيّتها بدراسات موضوعيّة يُعْلَم واقع ما كان يمتلكه الكليني من قدرة في عمليّة البناء والإبداع والتجديد.
ولعلّ شعور الفقيه والمحدّث والفيلسوف والمتكلّم والباحث والمثقّف الإسلامي بالحاجة الملحّة إلى ما يسعفه ويؤيّد رأيه من الكافي دليلٌ على أنّ روح الكليني لم تزل تحيا مع الجميع وإن مضى الجسد الطاهر في أعماق التاريخ.
ومن هنا عرف العلماء قيمة الكافي بوقت مبكّر ، ويأتي في طليعتهم تلامذة الكليني الذين بذلوا قصارى جهدهم في استنساخ هذا الكتاب ونشره على الملأ الإسلامي ، ويدلّ على ذلك أنّ أوّل من استعان بهذا الكتاب وأشار إليه صراحةً معاصرُ الكليني الشيخ إبراهيم بن سليمان بن وهب ، من آل وهب الشيعة الإماميّة المعروفين ، المتوفّى سنة ( ٣٣٤ هـ ) بعد وفاة الكليني رحمهالله بخمس سنين فقط ، إذ استعان بكتاب الكافي في كتابه البرهان في وجوه البيان. (١)
__________________
(١) ذكر هذا الدكتور حسين مدرسي طباطبائي في مجموعة مقالات باللغة الفارسية بعنوان ( مكتب در فرايند تكامل ) ص ١٦ ، هامش ٩١.