والمنهج المتّبع في الكافي الشريف لأجل الوصول إلى اصول الشريعة وفروعها وآدابها وأخلاقها ، إنّما هو بالاعتماد على حَمَلَة آثار النبوّة من نقلة حديث الآل عليهمالسلام ، الذي هو حديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ صرّح أهل البيت عليهمالسلام مراراً وتكراراً بأنّهم لا يحدّثون الناس إلاّبما هو ثابت عندهم من أحاديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّهم كانوا يكنزونها كما يكنز الناس ذهبهم وورقهم ، وأنّها كلّها تنتهي إلى مصدر واحد ، وبإسناد واحد (١) ، لو قرأته ـ كما يقول أحمد بن حنبل ( م / ٢٤٠ هـ ) ـ على مجنون لبرئ من جِنّته (٢).
ومن ثمرات هذا التضييق في رواية السنّة المطهّرة في الكافي ، وحصرها بذلك النمط من حملة الآثار ، أنّك لا تجد بينهم لرجال الشجرة الملعونة وأذنابهم وأنصارهم وزناً ولا اعتباراً ، ولا للخوارج والنواصب ورواتهم ذِكراً ، ولا لمن لم يحفظ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم في أهل بيته عليهمالسلام (٣) عيناً ولا أثراً (٤).
كما لا تجد في أخبار الكافي لمن نافق ممّن تسمّى بالصحابة ولصق بهم خبراً (٥) ، وأمّا عن أخبار المؤمنين منهم ، فهي إمّا أن تمرّ طرقها عبر من تجنّب الكليني رواياتهم ، فلا يروي عنهم ولا كرامة ، وإمّا أنْ تمرّ عبر غيرهم ممّن لا طريق لنا في معرفة درجة وثاقتهم ؛ إذ لم يسلم علماء جرحهم وتعديلهم من الجرح في أنفسهم ، ومن يكن هكذا حاله فلا عبرة في أقواله.
__________________
(١) وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى يمكن أن تكوّن بمجموعها مثالاً جيّداً للتواتر المعنوي ، انظر :
المحاسن ، ص ١٥٦ ، ح ٨٧ ؛ وص ١٨٥ ، ح ١٩٤ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ٣٣١ ، ح ٤٦ ؛ الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب رواية الكتب والحديث ، ح ١٥٦ ؛ وباب الردّ إلى الكتاب والسنّة ... ، ح ١٩٢ ؛ كفاية الأثر ، ص ٣٢٧ ؛ الاحتجاج ، ص ٣٢٧ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٤ ، ح ٣٣٣٣٠ و ٣٣٣٣١ ؛ وص ١٤٧ ، ح ٣٣٤٤٧.
(٢) الصواعق المحرقة ، ص ٣٠٣.
(٣) ورد في الحديث الشريف : « من حفظني في أهل بيتي فقد اتّخذ عند الله عهداً » الصواعق المحرقة ، ص ١٥٠.
(٤) يدخل في هذا الصنف جميع رواة العامّة الذين عاصروا أهل البيت عليهمالسلام ، وتعمَّدوا ترك الرواية عنهم عليهمالسلام.
(٥) كان ابن عبّاس رضى الله عنه يسمّي سورة التوبة بالفاضحة ؛ لأنّها فضحت المنافقين من الصحابةولم تدع أحداً منهم إلاّ أتت عليه ، وسمّاها قتادة بن دعامة التابعي بالمثيرة ؛ لأنّها أثارت مخازيهم ، وسمّاها آخر بالمبعثرة ؛ لأنّها بعثرت أسرارهم. راجع : معالم التنزيل ، ج ٣ ، ص ٣ ؛ التبيان في تفسير القرآن ، ج ٥ ، ص ١٦٧ ؛ مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٧٨ ، وعلى الرغم من هذه الحقائق القرآنية تجد من يقول إلى اليوم باسطورة عدالتهم جميعاً بما في ذلك الوغد المجرم معاوية وزبانيته!!