ولو تنزَّلنا عن ذلك وقلنا باعتبارها لوثاقة ناقليها جدلاً ، فالكليني رحمهالله في غنىً عن تكلّف إسنادها ، إذ لا يحتاج في وصلها ـ على طبق منهجه وفرض صحّتها ـ أكثر من أن يسندها إلى من حدّث بها من أهل البيت عليهمالسلام ؛ لثبوت حجّية سنّتهم ، مع كونهم من أحرص الناس في الحفاظ على السنّة النبوية وتدوينها والأمر بكتابتها وحفظها ، هذا فضلاً عن كون الإسناد إلى أئمّة أهل البيت عليهمالسلام بعد أصحاب الكساء عليهمالسلام أعلى من الإسناد إلى الصحابة ، ومن مثل الكليني لا يدع علوّ الإسناد في الرواية عن أهل البيت عليهمالسلام لأجل زيد أو عمر ، ومن البداهة بمكان أنّه لا يعدل بأهل البيت عليهمالسلام أحد من الصحابة وإن جلّ ، ولا يوجد فيهم من هو أعلم بما في البيت النبوي الطاهر من أهله المطهّرين ، وفي المثل : أهل البيت أدرى بالذي فيه.
إذن ، نقل السنّة الشريفة على وفق هذا المنهج ، هو من أسدّ النقل وأكثره احتياطاً في الدين ، والتزاماً بحديث الثقلين : كتاب الله ، والعترة.
وهذا المنهج وإن كان هو المنهج العامّ عند محدّثي العترة ، إلاّ أنّ شدّة التزام الكليني به مع ميزات كتابه الاخرى هي التي حملت الشيخ المفيد قدسسره على القول : بأنّ الكافي من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة (١) ، كما حملت غيره على الإعجاب بكتاب الكافي والثناء على مؤلّفه (٢).
ومن هنا بذل علماء الشيعة ـ قديماً وحديثاً ـ جهوداً علمية مضنية حول الكافي ، فاستنسخوه كثيراً ، وشرحوا أحاديثه ، وأكثروا من تحشيته وتهميشه ، وبيّنوا مشتركاته ، ووضّحوا مسائله ، واختصروه ، وحقّقوا أسانيده ، ورتّبوا أحاديثه ، وصنّفوها على ضوء المصطلح الجديد ، وترجموه إلى عِدّة لغات ، وطبعوه مرّاتٍ ومرّاتٍ ، ووضعوا الفهارس الفنيّة لأبوابه ، وأحاديثه ، وألفاظه ، بحيث وصلت جهودهم حول الكافي إلى
__________________
(١) تصحيح الاعتقاد ، ص ٧٠.
(٢) كما في مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٣ ؛ الوافي ، ج ١ ، ص ٦ ؛ رياض العلماء ، ج ٢ ، ص ٢٦١ ؛ لؤلوة البحرين ، ص ٥ ؛ الفوائد الرجالية ، ج ٣ ، ص ٣٣٠ ؛ كشف الحجب ، ص ٤١٨ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٥٣٢ ؛ روضات الجنّات ، ج ٦ ، ص ١١٦ ؛ الكنى والألقاب ، ج ٢ ، ص ٩٨ ؛ سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٤٩٤ ؛ تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ٢٠٢ ؛ الذريعة ، ج ١٧ ، ص ٢٤٥.