يغفل الكليني عن مثل هذا فيقدّم كتابه طواعية إلى السفراء ليأخذ نصيبه من نظر المنتظر صلوات الله وسلامه عليه؟
ثمّ أليس يعني هذا سلب القدرة العلميّة عن ثقة الإسلام الذي عدّه خصوم الشيعة من المجدّدين على رأس المائة الثالثة؟
وأمّا ما ذُكر في المقام من دأب السفراء الأربعة رضي الله عنهم على متابعة الكتب والتأكّد من سلامتها! فهو كذب عليهم ، مع المبالغة الظاهرة ، زيادة على خطأ الاستدلال به.
ووجه الكذب ، هو أنّه لم يُعرف عنهم ذلك ، ولا ادّعاه أحدٌ منهم ، ولا نسبه فاضِل إليهم.
ووجه المبالغة : هو أنّ غاية ما يعرف عنهم في ذلك ، طلب السفير الثالث الحسين بن روح رضى الله عنه كتاب التكليف ليقرأهُ بنفسه (١) ، وهو من تأليف أبي جعفر محمّد بن علي بن أبي العزاقر المعروف بالشلمغاني بعد أن صار يدّعي أشياء عظيمة باطلة أدّت إلى لعنه والبراءة منه وقتله سنة ( ٣٢٣ هـ ) ، وكان قبل ذلك وكيلاً عن السفير الثالث في الكوفة ، وكان كتابه التكليف رائجاً عند الشيعة ؛ لأنّه كان ألّفه قبل انحرافه واشتهاره بالكذب على السفير الثالث رضى الله عنه. ولو لم ينحرف لما كان الشيخ بحاجة إلى كلّ هذا ، ولترك كتابه كما ترك غيره من مؤلّفات الشيعة التي كانت تزخر بها دورهم ومكتباتهم في بغداد.
ومنه يعلم خطأ الاستدلال به ؛ لتضمّنه سلب القدرة العلميّة عن ثقة الإسلام!
وأمّا عن الاستدلال على حكاية العرض ، بالتوقيع الخارج من الناحية المقدّسة إلى الصدوق الأوّل ( م ٣٢٩ هـ ) (٢) ، كما في الكليني والكافي (٣) فلا ينبغي لأحد أن يصدّقه دليلاً ، أو يتوهّمه شاهداً على صحّة احتمال عرض الكافي أو بعضه على الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام بتوسّط أحد السفراء رضي الله عنهم ؛ لاختلاف الموضوع بينهما اختلافاً جذرياً بحيث لا يمكن أن يُقاس أحدهما بالآخر ؛ لأنّ طلب الوالد عن طريق الدعاء المستجاب انحصر ـ بناءً على رغبة الطالب وهو الصدوق الأوّل ـ بالإمام
__________________
(١) الغيبة للطوسي ، ص ٤٠٨ ، ح ٣٨٢.
(٢) إكمال الدين ، ص ٥٠٣ ذيل ح ٣١ ؛ رجال النجاشي ، ص ٢٦١ ، الرقم ٦٨٤ ؛ الغيبة للطوسي ، ص ٣٣٠ ، ح ٢٦٦.
(٣) راجع : الكليني والكافي ، ص ٣٩٢ ـ ٣٩٧.