[١٤] (لَهُ) لله (دَعْوَةُ الْحَقِ) كلمة الإخلاص ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله (وَالَّذِينَ) الأصنام (يَدْعُونَ) التي يدعوها المشركون (مِنْ دُونِهِ) دون الله (لا يَسْتَجِيبُونَ) تلك الأصنام (لَهُمْ) لدعاتها (بِشَيْءٍ) من مطالبهم (إِلَّا) استجابة كاستجابة باسط (كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ) يبسط كفه نحو الماء (لِيَبْلُغَ فاهُ) يطلب بذلك أن يبلغ الماء إلى فيه بانتقاله من مكانه إليه (وَما هُوَ بِبالِغِهِ) فإن البسط للكف نحو الماء لا يفيد في أخذ الماء ، وهذا تشبيه لبسطهم كفهم نحو الأصنام (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ) أصنامهم لحوائجهم (إِلَّا فِي ضَلالٍ) عن الإجابة.
[١٥] (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) فإن الأشياء خاضعة لله سواء أرادت كالإنسان المؤمن ، أم لم ترد كالإنسان الكافر فإنه في قبضة الله وخاضع لإرادته (وَ) يسجد (ظِلالُهُمْ) فإن ظل الإنسان خاضع لله تعالى (بِالْغُدُوِّ) صباحا (وَالْآصالِ) أي عصرا جمع أصيل (١) ، وكأنه أريد التشبيه ، فكما أن ظل الإنسان خاضع لمقابل اتجاه الشمس وليس تحت إرادته كذلك ذاته خاضعة لله تعالى في الشؤون الكونية.
[١٦] (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) فإنه الجواب الطبيعي لهذا السؤال (قُلْ) توبيخا لهم :
(أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ) دون الله (أَوْلِياءَ) أصنام ، اتخذتموها وليا لأنفسكم (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) فإن الصنم لا ينفع الإنسان ولا يضره (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) فالمشرك كالأعمى والمؤمن كالبصير (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) فالأول شبيه بالشرك والثاني شبيه بالإيمان (أَمْ) بل (جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) من الأصنام فهل (خَلَقُوا) الأصنام (كَخَلْقِهِ) كخلق الله (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ) خلق الله وخلق الشركاء (عَلَيْهِمْ) ولذا اتخذوها شركاء حيث أنها فعلت كفعل الله (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) فلا شيء مخلوق للأصنام (وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) الذي يقهر كل شيء وكل شيء خاضع له.
[١٧] (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَسالَتْ) أي جرت (أَوْدِيَةٌ) جمع وادي وهو مسيل الماء (بِقَدَرِها) كل واد أخذ من الماء بقدر سعته (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ) الجاري حمل (زَبَداً) هو الأبيض المنتفخ على وجه الماء (رابِياً) طافيا عاليا فوق الماء (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) أي ما يوضع في النار من الفلزات كالذهب والفضة ، ويوقد عليه بإلقاء الحطب فوقه لتزييد اشتعال النار ، يذاب (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) أي طلب الزينة ، كالحلي (أَوْ مَتاعٍ) أي طلب المتاع كصنع الأواني وشبهه (زَبَدٌ مِثْلُهُ) أي مثل زبد الماء (كَذلِكَ) هكذا (يَضْرِبُ اللهُ) مثل (الْحَقَّ وَالْباطِلَ) فالحق كالماء والفلز ، والباطل كالزبد فوق الماء وفوق الفلز حال السيلان وحال الإذابة ، ولعل التمثيل بهذين لبيان أن الحق حياة كالماء وزينة كالفلز (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) باطلا يرمى به (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) من الماء والفلز (فَيَمْكُثُ) يبقى دهرا (فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) ليتفكر الناس.
[١٨] (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا) أجابوا (لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) الصفة الحسنة (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ) من الثروة (جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) وهذا من باب المثال ، وإلا المراد كلما يتصور من الثروة (لَافْتَدَوْا بِهِ) جعلوه فدية لخلاص أنفسهم ولكن بلا فائدة (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) الحساب السيئ (وَمَأْواهُمْ) محلهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ) جهنم (الْمِهادُ) الفراش.
__________________
(١) وسمي العصر أصيلا ، كأنه أصل الليل الذي ينشأ منه.