أمّا بعد : أيّها النّاس! فإنّه لم يكن لنبيّ من العمر إلّا نصف من عمر من قبله (١) ، وانّ عيسى ابن مريم لبث في قومه أربعين سنة ، وإنّي قد أسرعت في العشرين ، ألا وإنّي يوشك أن أفارقكم ، ألا وإنّي مسئول ، وأنتم مسئولون فهل بلّغتكم؟ (٢) فما ذا أنتم قائلون؟ فقام من كلّ ناحية من القوم مجيب يقولون : نشهد أنك عبد الله ورسوله ، قد بلّغت رسالته ، وجاهدت في سبيله ، وصدعت بأمره ، وعبدته حتّى أتاك اليقين ، جزاك الله عنّا خير ما جزى نبيّا عن أمته.
فقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله لا شريك له؟ وأنّ محمّدا عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النّار حق وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا : بلى ، قال : فإنّي أشهد أن قد صدقتكم ، وصدّقتموني ، ألا وإنّي فرطكم ، وإنّكم تبعي ، توشكون أن تردوا علي الحوض ، فأسألكم حين تلقونني عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما ، قال : فأعيل علينا (٣) ما ندري ما الثقلان ، حتّى قام رجل من المهاجرين وقال : بأبي وأمّي أنت يا نبيّ الله ما الثقلان؟
قال (صلىاللهعليهوآله) الأكبر منهما كتاب الله تعالى : سبب طرف (٤) بيد الله وطرف بأيديكم ، فتمسّكوا به ولا تضلّوا ، والأصغر منهما عترتي. من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ، ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم (٥) ، فإنّي قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني ، ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليّهما لي وليّ ، وعدوّهما لي عدوّ.
ألا وإنّها لم تهلك أمة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها ، وتظاهر على نبوّتها ،
__________________
(١) نصف ما عمر من قبله ـ راجع العمدة ٥١ ، البحار ٣٧ / ١٨٤.
(٢) في هامش الأصل : هل بلغتكم : بحذف الفاء ، وهو هكذا في الأزهار في مناقب إمام الأبرار.
(٣) يقال : علت الضالة أعيل عيلا وعيلانا فأنا عائل : إذا لم تدر أي وجهة تبغيها عن أبي زيد ، وقال الأحمر : عالني الشيء يعيلني عيلا ومعيلا : إذا أعجزك ، ومثله في غريب الهروي على ما في هامش الأصل.
(٤) في هامش الأصل : في الأزهار ـ يعني الأزهار في مناقب إمام الأبرار ـ طرفه. أقول : ومثله في العمدة والبحار نقلا منه.
(٥) في البحار نقلا عن العمدة : فلا يقتلوهم ولا يقهروهم ولا يقصروا عنهم ، وفي العمدة ٥١ وحكايته في الغدير ١ / ٣٧ كما في الصلب.