نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير ، على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحا من أرض الشام ، فأبى أن يعطيهم ذلك إلى أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة ، وكان مناصحا لهم ، لأن عياله وماله وولده كانت عندهم ، فبعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأتاهم ، فقالوا : يا أبا لبابة ، ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه ـ أنه الذبح ـ فلا تفعلوا. قال أبو لبابة : والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله. فنزلت فيه هذه الآية ، فلما نزلت شد نفسه على سارية (١) من سواري المسجد وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله عليّ. فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما حتى خر مغشيا عليه ، ثم تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة ، قد تيب عليك. فقال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذي يحلني. فجاء فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة : إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يجزيك الثلث أن تتصدق به» (٢).
الآية : ٣٠ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠).
قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن نفرا من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له ، فأمرت أن أحضركم ولن يعدمكم مني رأي ونصح ، قالوا : أجل فادخل ، فدخل معهم ، فقال : انظروا في شأن هذا الرجل ، فقال قائل : احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة فإنما هو كأحدهم ، فقال عدو الله الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي والله ليخرجن رائد من محبسه إلى
__________________
(١) السارية : الدعامة.
(٢) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١٤٦ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٣٤٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٩٤ ـ ٤٩٥.