وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : إن رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيره ، فقال :
أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار؟ قال : إني خشيت عذاب الله ، قال : أعطني شيئا وأنا أحمل كل عذاب كان عليك ، فأعطاه شيئا فقال : زدني ، فتعاسرا حتى أعطاه شيئا وكتب كتابا وأشهد له ، ففيه نزلت هذه الآية : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) (٣٤) (١).
قال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك : نزلت في عثمان بن عفان ، كان يتصدق وينفق في الخير ، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح : ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أن لا يبقي لك شيئا. فقال عثمان : إن لي ذنوبا وخطايا ، وإني أطلب بما أصنع رضا الله سبحانه وتعالى ، وأرجو عفوه. فقال له عبد الله : أعطني ناقتك برحلها ، وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها. فأعطاه وأشهد عليه ، وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) (٣٤) فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله (٢).
وقال مجاهد وابن زيد : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان قد اتبع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على دينه ، فعيره بعض المشركين وقال : لم تركت دين الأشياخ وضللتهم ، وزعمت أنهم في النار؟ قال : إني خشيت عذاب الله. فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله سبحانه وتعالى ، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ، ثم بخل ومنعه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).
الآية : ٤٣ ـ قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) (٤٣).
عن محمد بن أبي بكر المقدمي قال : أخبرتنا دلالة بنت أبي المدل قالت : حدثتنا الصهباء ، عن عائشة قالت : مر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوم يضحكون ، فقال : «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا». فنزل عليه جبريل عليهالسلام بقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) (٤٣) فرجع إليهم فقال : «ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني
__________________
(١) السيوطي ٢٧٨ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٧ / ٤١ ـ ٤٤ ، وانظر تفسير زاد المسير ، ج ٨ / ٧٧ ـ ٧٨.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ١٧ / ١١١.
(٣) النيسابوري ٣٢٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٧ / ١١٢.