ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، فبينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حجرة من حجره إذ قال : «يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار ، وينظر بعيني شيطان». فدخل عبد الله بن نبتل ، وكان أزرق ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «علام تشتمني أنت وأصحابك» ، فحلف بالله ما فعل ذلك ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «فعلت». فانطلق فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما سبّوه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).
وعن زهير بن معاوية ، أخبرنا سماك بن حرب قال : حدثني سعيد بن جبير : أن ابن عباس حدّثه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين ، قد كاد الظل يقلص عنهم ، فقال لهم : «إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعين شيطان ، وإذا أتاكم فلا تكلموه». فجاء رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكلّمه ، فقال : «علام تشتمني أنت وفلان وفلان». نفر دعا بأسمائهم ، فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا بالله واعتذروا إليه ، فأنزل الله تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٨) (٢).
الآية : ٢٢ ـ قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ).
قال ابن جريج : حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فصكّه أبو بكر صكّة شديدة سقط منها ، ثم ذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «أوفعلته؟» ، قال : نعم. قال : «فلا تعد إليه» ، فقال أبو بكر : والله لو كان السيف قريبا مني لقتلته. فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية (٣).
وروي عن ابن مسعود أنه قال : نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح ، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد ، وفي أبي بكر ، دعا ابنه يوم بدر إلى البراز ، فقال : يا رسول الله ، دعني أكن في الرعلة الأولى. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «متعنا بنفسك يا أبا
__________________
(١) النيسابوري ٣٤٠ ، والسيوطي ٢٨٧ ، والدر المنثور للسيوطي ، ج ٦ / ١٧٦.
(٢) النيسابوري ٣٤١ ، والحاكم في المستدرك ، ج ٢ / ٤٨٢ ، وصححه وأقره الذهبي ، ومسند أحمد ، ج ١ / ٢٤٠ ، ومجمع الزوائد ، ج ٧ / ١٢٢ ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح.
(٣) زاد المسير ، ج ٨ / ١٩٨.