وقد سبقوا إلى المجلس ، فقاموا حيال النبي صلىاللهعليهوسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم ، وشق ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لمن حوله من غير أهل بدر : «قم يا فلان ، وأنت يا فلان». فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبي صلىاللهعليهوسلم الكراهية في وجوههم ، فقال المنافقون للمسلمين : ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس ، فو الله ما عدل على هؤلاء ، قوم أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم ، أقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).
الآية : ١٢ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ).
قال مقاتل بن حيان : نزلت الآية في الأغنياء ، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلىاللهعليهوسلم فيكثرون مناجاته ، ويغلبون الفقراء على المجالس ، حتى كره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك من طول جلوسهم ومناجاتهم ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية ، وأمر بالصدقة عند المناجاة ، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا ، وأما أهل الميسرة فبخلوا ، واشتد ذلك على أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت الرخصة.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) كان لي دينار فبعته ، وكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد ، فنسخت بالآية الأخرى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) [سورة المجادلة ، الآية : ١٣] (٢).
الآيتان : ١٤ ـ ١٨ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ، (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٨).
قال السدي ومقاتل : نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق ، كان يجالس النبي صلىاللهعليهوسلم ،
__________________
(١) النيسابوري ٣٣٩ ، والسيوطي ٢٨٦ ، والدر المنثور ، ج ٦ / ١٨٤ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٢٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٧ / ٢٩٦.
(٢) النيسابوري ٣٤٠ ، والسيوطي ٢٨٧ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧.