كاره ، فقال : وما ذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا! وإن لقوله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمنير أعلاه مشرق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى عليه ، وإنه ليحطم ما تحته!! قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ، قال : دعني حتى أفكر ، فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره ، فنزلت : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١١). وإسناده صحيح على شرط البخاري (١).
وعن معمر ، عن أيوب السختياني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقرأ عليه القرآن ، وكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل فقال له : يا عم ، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه ، فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قبله. فقال : قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له وكاره. قال : وما ذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم بزجرها وبقصيدها مني ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه معذق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى. قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال : فدعني حتى أفكر فيه. فقال : هذا سحر يؤثر ، يأثره عن غيره ، فنزلت : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١١) الآيات كلها (٢).
قال مجاهد : إن الوليد بن المغيرة كان يغشى النبي صلىاللهعليهوسلم وأبا بكر رضي الله عنه ، حتى حسبت قريش أنه يسلم ، فقال له أبو جهل : إن قريشا تزعم أنك إنما تأتي محمدا وابن أبي قحافة تصيب من طعامهما. فقال الوليد لقريش : إنكم ذوو أحساب وذوو أحلام ، وإنكم تزعمون أن محمدا مجنون ، وهل رأيتموه يتكهن قط؟ قالوا : اللهم لا. قال : تزعمون أنه شاعر ، هي رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا : لا. قال : فتزعمون أنه كذاب ، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا : لا. قالت قريش للوليد : فما هو؟ فما هو إلا ساحر ، وما يقوله سحر. فذلك قوله : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) (١٨) إلى قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) (٢٤) [سورة المدثر ، الآيات : ١٨ ـ ٢٤] (٣).
__________________
(١) السيوطي ٣١٩ ، والمستدرك ، ج ٢ / ٥٠٦.
(٢) النيسابوري ٣٦٣ ، والمستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٥٠٦ ، وصححه وأقره الذهبي.
(٣) النيسابوري ٣٦٤ ، وذكره ابن الجوزي بنحو هذا اللفظ في زاد المسير ، ج ٨ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤.