قال المفسرون : إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما لك تشتم صاحبنا؟ قال : «وما أقول». قالوا : تقول : إنه عبد. قال : «أجل ، إنه عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول» (١). فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله. فأنزل الله عزوجل هذه الآية (٢).
عن مبارك ، عن الحسن قال : جاء راهبا نجران إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فعرض عليهما الإسلام ، فقال أحدهما : إنا قد أسلمنا قبلك. فقال : «كذبتما ، إنه يمنعكما من الإسلام ثلاث : عبادتكم الصليب ، وأكلكم الخنزير ، وقولكم لله ولد» ، قالا : من أبو عيسى؟ وكان لا يعجل (٣) حتى يأمره ربّه ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) (٤).
الآية : ٦١ ـ قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ).
عن حماد بن سلمة ، عن يونس ، عن الحسن قال : جاء راهبا نجران إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال لهما : «أسلما تسلما». فقالا : قد أسلمنا قبلك. فقال : «كذبتما ، يمنعكما من الإسلام : سجودكما للصليب ، وقولكما اتخذ الله ولدا ، وشربكما الخمر». فقالا : ما تقول في عيسى؟ قال : فسكت النبي صلىاللهعليهوسلم ونزل القرآن : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٥٨) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٨] إلى قوله : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) الآية. فدعاهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الملاعنة. وقال : وجاء بالحسن والحسين وفاطمة وأهله وولده عليهمالسلام ، قال : فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه : اقرر بالجزية ولا تلاعنه ، فأقر بالجزية ، قال : فرجعا فقالا : نقر بالجزية ولا نلاعنك (٥).
__________________
(١) العذراء : البنت البكر التي لم يمسها رجل. البتول : المنقطعة عن الرجال ، ولا شهوة لها فيهم ، لا عن علة وإنما عن مجاهدة نفس ، من التّبتّل وهو الانقطاع عن ملاذ الدنيا للعبادة.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٠٣.
(٣) لا يعجل : أي لا يسرع بالجواب.
(٤) النيسابوري ، ٨٦ ـ ٨٨ ، والسيوطي ، ٥١ ـ ٥٢ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٦٨.
(٥) الملاعنة : وهي أن يخرج الفريقان إلى مكان يدعوان الله تعالى أن ينزل اللعنة على من كان منهما على الباطل ، وتسمى المباهلة أيضا ، كما ذكر في الآية نفسها. فأقر بالجزية : أي رضي أن يدفع الجزية هو وقومه ، والجزية : مقدار محدود من المال تأخذه الدولة المسلمة من ـ