ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ، واكفروا به في آخر النهار ، وقولوا : إنا نظرنا في كتبنا ، وشاورنا علماءنا ، فوجدنا محمدا ليس بذلك ، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه ، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم ، وقالوا : إنهم أهل كتاب وهم أعلم به منا ، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأخبر نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين (١).
قال مجاهد ومقاتل والكلبي : هذا في شأن القبلة ، لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود لمخالفتهم ، قال كعب بن الأشرف وأصحابه : آمنوا بالذي أنزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها أول النهار ، ثم اكفروا بالكعبة آخر النهار ، وارجعوا إلى قبلتكم الصخرة ، لعلهم يقولون : هؤلاء أهل الكتاب ، وهم أعلم منا ، فربما يرجعون إلى قبلتنا. فحذر الله تعالى نبيه مكر هؤلاء ، وأطلعه على سرهم ، وأنزل : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) (٢) الآية.
الآية : ٧٧ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً).
عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من حلف على يمين ، وهو فيها فاجر ، ليقطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله وهو عليه غضبان». فقال الأشعث بن قيس : فيّ والله ، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض ، فجحدني ، فقدمته إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «لك بينة» قلت : لا ، فقال لليهودي : «أتحلف». قلت : إذن يحلف ، فيذهب بمالي. فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) (٣) الآية.
وقال عكرمة : نزلت في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رؤساء اليهود ، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من شأن محمد صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) النيسابوري ، ٩٣ ـ ٩٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ١١٢.
(٢) أسباب النزول للنيسابوري ٩٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٧٣.
(٣) رواه البخاري في صحيحه : المساقاة (الشرب) ، باب : الخصومة في البئر والقضاء فيها ، رقم : ٢٢٢٩ ، والنيسابوري ، ٩٥ ـ ٩٦ ، والسيوطي ٥٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ١١٩ ـ ١٢٠.