فان الظاهر من هذه الآية أن البعد بين المشرقين هو أطول مسافة محسوسة فلا يمكن حملها على مشرقي الشمس والقمر ولا على مشرقي الصيف والشتاء ، لان المسافة بين ذلك ليست أطول مسافة محسوسة فلا بد من أن يراد بها المسافة التي ما بين المشرق والمغرب. ومعنى ذلك أن يكون المغرب مشرقا لجزء آخر من الكرة الارضية ليصح هذا التعبير ، فالآية تدل على وجود هذا الجزء الذي لم يكتشف الا بعد مئات من السنين من نزول القرآن.
فالآيات التي ذكرت المشرق والمغرب بلفظ المفرد يراد منها النوع كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (١)
والآيات التي ذكرت ذلك بلفظ التثنية يراد منها الاشارة الى القارة الموجودة على السطح الآخر من الارض.
لآيات التي ذكرت ذلك بلفظ الجمع يراد منها المشارق والمغارب باعتبار أجزاء الكرة الارضية.
ومن الاسرار التي أشار اليها القرآن الكريم كروية الارض ، فقال تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) (٢) (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) (٣) (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ) (٤).
ففي هذه الآيات الكريمة دلالة على تعدد مطالع الشمس ومغاربها ، وفيها اشارة الى كروية الارض ، فان طلوع الشمس على أي جزء من أجزاء الكرة الارضية يلازم غروبها عن جزء آخر ، فيكون تعدد المشارق والمغارب واضحا لا تكلف فيه ولا تعسف. وقد حمل القرطبي وغيره
__________________
(١) سورة البقرة آية ١١٥.
(٢) سورة الاعراف آية ١٣٧.
(٣) سورة الصافات آية ٥.
(٤) سورة المعارج آية ٤٠.