المضيئة) : حديث القلاقل روى الجد السعيد عبد الحميد ـ يرفعه ـ الى الرئيس ابي الحسن الكاتب البصري وكان من الاشداء الادباء ، قال : اثنتين وتسعين وثلاثمائة ، أسنت البر سنين عديدة ، وبعثت السماء درها ، وخص الحباء اكناف البصرة ، وتسامع العرب بذلك فوردها من الاقطار البعيدة والبلاد الشاسعة ، على اختلاف لغاتهم وتباين فطرتهم ، فخرجت مع جماعة من الكتاب ووجوه التجار نتصفح أحوالهم ولغاتهم ، ونلتمس فائدة ربما وجدناها عند أحدهم فارتفع لنا بيت عال ، فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه على عينيه كبرا ، وحوله جماعة من عبيده وأصحابه ، فسلمنا عليه ، فرد التحية ، وأحسن التلقية. فقال له رجل منا : هذا السيد ـ واشار الي ـ هو الناظر في معاملة الدرب ، وهو من الفصحاء وأولاد العرب ، وكذلك الجماعة ما منهم الا من ينتسب الى قبيلة وليختص بسداد وفصاحة ، وقد خرج وخرجنا معه حين وردتم ، نلتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم ، وحين شاهدناك رجونا ما نبغيه عندك لعلو سنك.
فقال الشيخ : والله يا بني اخي حياكم الله ، ان الدنيا شغلتنا عما ترتجونه مني ، فان اردتم الفائدة فاطلبوها عند ابي وأهل بيته واشار الى خباء كبير بأزائه.
فقلنا : النظر الى مثل والد هذا الشيخ أهم فائدة تتعجل ، فقصدنا ذلك البيت فوجدنا في كسره شيخا منضجعا ، وحوله من الخدم والاماء اوفى مما شاهدناه اولا ، ورأينا عليه من آثار السن ما يجوز له أن يكون والد ذلك الشيخ ، فدنونا منه وسلمنا عليه ، فأحسن الرد وأكرم الجواب فقلنا له مثل ما قلنا لابنه وما كان من جوابه وانه دلنا عليك فخرجنا اليك فقال : يا بني أخي حياكم الله ان الذي شغل ابني عما التمستموه هو الذي شغلني عما هذه سبيله ، ولكن الفائدة تجدونها عند والدي وها هو بيته ، وأشار الى بيت منيف بنحو منه ، فقلنا : فيما بيننا حسبنا من الفوائد