أن القرآن هو الذي نور قلوب اولئك العاكفين على الاصنام المشتغلين بالحروب الداخلية والمفاخرات الجاهلية ، فجعلهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، ويؤثر أحدهم حياة صاحبه على نفسه ، فحصل للمسلمين بفضل الاسلام من فتوح البلدان في ثمانين سنة ما لم يحصل لغيرهم في ثمانمائة سنة. ومن قارن بين سيرة اصحاب النبي وسيرة اصحاب الانبياء السابقين علم ان في ذلك سرا الهيا ، وأن مبدأ هذا السر هو كتاب الله الذي أشرق على النفوس ، وطهر القلوب والأرواح بسمو العقيدة ، وثبات المبدأ.
واذا قد عرف أن القرآن معجزة الهية ، في بلاغته واسلوبه فاعلم أن اعجازه لا ينحصر في ذلك ، بل هو معجزة ربانية ، وبرهان صدق على نبوة من أنزل اليه من جهات شتى ، فيحسن بنا أن نتعرض الى جملة منها على نحو الاختصار :
أ ـ القرآن والمعارف
صرح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمدا صلىاللهعليهوآله امي ، وقد جهر النبي بهذه الدعوى بين ملا من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم ، وتربى في أوساطهم ، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع اميته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة ، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الاسلام الى هذا اليوم ، وسيبقى موضوعا لدهشة المفكرين وحيرتهم الى اليوم الأخير ، وهذا من أعظم نواحي الاعجاز.
ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى ، ولنفرض أن محمدا صلىاللهعليهوآله لم يكن أميا ، ولتنصوره قد تلقن المعارف ، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم ، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمد صلىاللهعليهوآله بينهم ، منهم وثنيون يعتقدون بالأوهام ، ويؤمنون بالخرافات ،