جل ثناؤه بأنبيائه حيث بعثهم ان يفتح لهم كنوز الذهبان ومعادن العقيان ومغارس الجنان. وان يحشر معهم طير السماء ووحش الارض لفعل. ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء واضمحلت الانباء. ولما وجب للقائلين أجور المبتلين. ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين. ولا لزمت الاسماء أهاليها على معنى معين. ولذلك لو أنزل الله من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين.
ولو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعين. ولكن الله جل ثناؤه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم وضعفة فيما ترى الاعين من حالاتهم مع قناعة تملأ القلوب والعيون غناؤه. وخصاصة تملا الاسماع والابصار اذاؤه.
ولو كانت الانبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام وملك يمد نحوه أعناق الرجال ويشد اليه عقد الرحال. لكان أهون على الخلق في الاختبار وابعد لهم في الاستكبار. ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم. أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة.
ولكن الله عزوجل أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لأمره والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة. وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل. ألا ترون ان الله عزوجل اختبر الأولين من لدن آدم الى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع. فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ثم وضعه بأوعر بقاع الارض حجرا. وأقل نتائق الدنيا مدرا وأضيق بطون الاودية معاشا وأغلظ محال المسلمين مياها. بين جبال خشنة ورمال دمثة وعيون وشلة وقرى منقطعة وأثر من مواضع قطر السماء. واثر ليس يزكو به خف ولا ظلف ولا حافر.