فإن نهلك نهلك ، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمرى لنجدن النساء والأبناء ، قالوا : نقتل هؤلاء المساكين! فما خير العيش بعدهم؟ قال : فإن أبيتم علىّ هذه ، فإن الليلة ليلة السبت ، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها ، فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة ، قالوا : نفسد سبتنا علينا ، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت ، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ؟ قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما.
* * *
ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أن ابعث إلينا أبا لبابة ابن عبد المنذر أخا بنى عمرو بن عوف ، وكانوا حلفاء الأوس ، لنستشيره فى أمرنا. فأرسله رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم ، فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه ، فرقّ لهم. وقالوا له : يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه. إنه الذبح. قال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماى من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم. ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ، ولم يأت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى ارتبط فى المسجد إلى عمود من عمده ، وقال : لا أبرح مكانى هذا حتى يتوب الله على مما صنعت ، وعاهد الله ألا أطأ بنى قريظة أبدا ، ولا أرى فى بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا.
فلما بلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبره ، وكان قد استبطأه ، قال : أما إنه لو جاءنى لاستغفرت له ، فأما إذ قد فعل ما فعل ، فما أنا بالذى أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.