جئته فيما بيننا وبينك ، وإن كنت غير قابل منا شيئا عرضناه عليك ، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ، ولا أقل ماء ، ولا أشدّ عيشا منّا ، فسل ربك الذى بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التى قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليفجر لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا.
فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه : ما بهذا بعثت إليكم ، إنما جئتكم من الله بما بعثنى به ، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ، فإن تقبلوه فهو حظكم فى الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علىّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بينى وبينكم. قالوا : فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك ، سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تتمول ، وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغى ، فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم ، وتلتمس المعاش كما نلتمسه ، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك ، إن كنت رسولا كما تزعم.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثنى بشيرا ونذيرا. قالوا : فأسقط السماء علينا كسفا ، كما زعمت أن ربك إن شاء فعل.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل.
وقام عنهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حزينا آسفا ، لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ، ولما رأى من مباعدتهم إياه.
* * *