الذى بين أظهرنا قد أعضل (١) بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا.
قال : فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ، حتى حشوت فى أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا (٢) فرقا من أن يبلغنى شىء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه. قال : فعدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائم يصلى عند الكعبة. قال : فقمت منه قريبا ، فأبى الله إلا أن يسمعنى بعض قوله : فسمعت كلاما حسنا. فقلت فى نفسى : واثكل أمى! والله إنى لرجل لبيب شاعر ما يخفى على الحسن من القبيح ، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ، فإن كان الذى يأتى به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته.
فمكثت حتى انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لى كذا وكذا ، للذى قالوا ، فو الله ما برحوا يخوفوننى أمرك حتى سددت أذنى بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعنى قولك ، فسمعته قولا حسنا ، فأعرض علىّ أمرك. قال : فعرض علىّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الإسلام ، وتلا علىّ القرآن ، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه. قال : فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت : يا نبى الله ، إنى
__________________
(١) أعضل : اشتد أمره.
(٢) الكرسف : القطن.