أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه ، فأصبحت أنا وعياش ابن أبى ربيعة عند التناضب ، وحبس عنا هشام ، وفتن فافتتن.
فلما قدمنا المدينة نزلنا فى بنى عمرو بن عوف بقباء ، وخرج أبو جهل ابن هشام ، والحارث بن هشام ، إلى عياش بن أبى ربيعة ، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما ، حتى قدما علينا المدينة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة ، وقالا :
إن أمك قد نذرت ألا يمس رأسها مشط حتى تراك ، ولا تستظل من شمس حتى تراك ، فرق لها. فقلت له : يا عياش ، إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم ، فو الله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ، ولو قد اشتد عليها حر لاستظلت. فقال : أبر قسم أمى ، ولي هنالك مال آخذه. فقلت : والله إنك لتعلم أنى لمن أكثر قريش مالا ، فلك نصف مالى ولا تذهب معهما. فأبى علىّ إلا أن يخرج معهما ، فلما أبى إلا ذلك ، قلت له : أما إذا فعلت ما فعلت ، فخذ ناقتى هذه ، فإنها ناقة نجيبة ذلول ، فالزم ظهرها ، فإن رابك من القوم ريب ، فانج عليها.
فخرج عليها معهما ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال له أبو جهل : يا ابن أخى ، والله لقد استغلظت بعيرى هذا ، أفلا تعقبنى على ناقتك هذه؟ قال : بلى. فأناخ ، وأناخا ليتحول عليها ، فلما استوى بالأرض عدوا عليه ، فأوثقاه وربطاه ، ثم دخلا به مكة ، وفتناه فافتتن.
ثم إنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا ، ثم قالا : يا أهل مكة ، هكذا فافعلوا بسفهائكم ، كما فعلنا بسفيهنا هذا.
* * *