من بني إسرائيل وفي الإنجيل كذلك ، فلذلك قيل : على لسان داود وعيسى والمراد : أن الله أيّسهم من المغفرة مع الإقامة على الكفر لدعاء الأنبياء عليهم بالعقوبة ، ودعوتهم مستجابة ، وإنما ذكر اللعن على لسانهما إزالة للإبهام بأن لهم منزلة بولادة الأنبياء تنجيهم من العقوبة (ذلِكَ) إشارة إلى اللعن المتقدم ذكره (بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) أي بمعصيتهم واعتدائهم. ثم بيّن تعالى حالهم فقال : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) أي لم يكن ينهى بعضهم بعضا ولا ينتهون ، أي لا يكفون عما نهوا عنه. وإنما سمي القبيح منكرا لأنه ينكره العقل من حيث أن العقل يقبل الحسن ويعترف به ولا يأباه ، وينكر القبيح ويأباه ، وما ينكره العقل فهو الباطل ، وما يقر به فهو الحق ثم أقسم سبحانه فقال : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) أي بئس شيئا فعلهم (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) أي من اليهود (يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال أبو جعفر الباقر (ع) يتولون الملوك الجبارين ، ويزينون لهم اهواءهم ليصيبوا من دنياهم ، وفي هذا توبيخ لأولئك القوم ، وتنبيه على سوء فعالهم ، وخبث عقائدهم (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) أي بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي سخط الله عليهم (وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) وذهب ابن عباس ومجاهد والحسن إلى أن هذه الآية في المنافقين من اليهود ، والكناية في قوله : منهم عائدة إليهم ، ويؤكده ما بعد هذه الآية.
٨١ ـ (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي لو كانوا يصدقون بالله (وَالنَّبِيِ) محمد صلىاللهعليهوآله (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) من القرآن ، ويعتقدون ذلك على الحقيقة كما يظهرونه (مَا اتَّخَذُوهُمْ) يعني الكافرين (أَوْلِياءَ) يريد الموالاة على الحقيقة (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) وصفهم بالفسق وإن كان الكفر أبلغ في باب الذم لأمرين (أحدهما) أنهم خارجون عن أمر الله ، وهذا المعنى لا يظهر بأن يصفهم بالكفر (والآخر) أن الفاسق في كفره هو المتمرد فيه ، والكلام يدل على أنهم فاسقون في كفرهم أي خارجون إلى التمرد فيه.
٨٢ ـ ٨٤ ـ ثم ذكر تعالى معاداة اليهود للمسلمين فقال : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) وصف اليهود والمشركين بأنهم أشدّ الناس عداوة للمؤمنين ، لأن اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين مع أن المؤمنين يؤمنون بنبوّة موسى والتوراة التي أتى بها ، فكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الإيمان بنبيّهم وكتابهم أقرب ، وإنما فعلوا ذلك حسدا للنبيّ صلىاللهعليهوآله (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) يعني الذين قدمنا ذكرهم من النجاشي ملك الحبشة وأصحابه ، الذين جاؤوا مع جعفر مسلمين (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ) أي من النصارى (قِسِّيسِينَ) أي عبادا وقيل : علماء (وَرُهْباناً) أي أصحاب الصوامع (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) معناه : أن هؤلاء النصارى الذين آمنوا لا يستكبرون عن اتباع الحق والإنقياد له كما استكبر اليهود وعباد الأوثان ، وأنفوا عن قبول الحق (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) من القرآن (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) أي لمعرفتهم بأن المتلو عليهم كلام الله ، وأنه حق (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا) أي صدقنا بأنه كلامك أنزلته على نبيك (فَاكْتُبْنا) في أم الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ (مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي مع محمد وأمته الذين يشهدون بالحق (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِ) معناه : لأي عذر لا نؤمن بالله ، وهذا جواب لمن قال لهم من قومهم تعنيفا لهم : لم آمنتم؟ والحق : هو القرآن والإسلام (وَنَطْمَعُ) أي نرجو ونأمل (أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا) يعني في الجنة لإيماننا بالحق