(مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) المؤمنين من أمة محمد.
٨٥ ـ ٨٦ ـ (فَأَثابَهُمُ) أي جازاهم (اللهُ بِما قالُوا) أي بالتوحيد عن الكلبي ، وعلى هذا فإنما علّق الثواب بمجرد القول لأنه قد سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوه وهو المعرفة في قوله : (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) والبكاء المؤذن بحقيقة الإخلاص ، واستكانة القلب ومعرفته ، والقول إذا اقترن به المعرفة والإخلاص فهو الإيمان الحقيقي الموعود عليه الثواب وقيل : ان المراد بما قالوا : ما سألوا ، يعني قوله : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ، ونطمع أن يدخلنا الآية ، عن ابن عباس ، وعلى هذا فيكون القول معناه المسألة للجنة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) مر تفسيره (وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أي المؤمنين (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) لما ذكر سبحانه الوعد لمؤمنيهم ذكر الوعيد لمن كفر منهم وكذب ، وأطلق اللفظ به ليكون لهم ولمن جرى مجراهم في الكفر ، وإنما شرط في الوعيد على الكفر التكذيب بالآيات وان كان كل منهما يستحق به العقاب ، لأن صفة الكفار من أهل الكتاب أنهم يكذبون بالآيات.
٨٧ ـ ٨٨ ـ لما تقدم ذكر الرهبان وكانوا قد حرّموا على أنفسهم الطيبات نهى الله المؤمنين عن ذلك : قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا أيها المؤمنون (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) يريد : لا تجروها مجرى المحرمات في شدة الإجتناب والطيبات : اللذيذات التي تشتهيها النفوس ، وتميل إليها القلوب ، وقد يقال : الطيب بمعنى الحلال (وَلا تَعْتَدُوا) أي لا تتعدوا حدود الله وأحكامه (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) معناه : يبغضهم ويريد الانتقام منهم (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) لفظه أمر والمراد به الإباحة (حَلالاً طَيِّباً) أي مباحا لذيذا (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) هذا استدعاء إلى التقوى بألطف الوجوه وتقديره : أيها المؤمنون بالله لا تضيعوا إيمانكم بالتقصير في التقوى فيكون عليكم الحسرة العظمى ، واتقوا في تحريم ما أحل الله لكم وفي جميع معاصيه من به تؤمنون وهو الله تعالى. وفي هاتين الآيتين دلالة على كراهة التخلي والتفرد والتوحش والخروج عما عليه الجمهور في التأهل وطلب الولد ، وعمارة الأرض ، وقد روي عن النبي (ص) كان يأكل الدجاج والفالوذج ، وكان يعجبه الحلواء والعسل وقال : ان المؤمن حلو يحب الحلاوة ، وقال : إن في بطن المؤمن زاوية لا يملؤها إلا الحلواء.
٨٩ ـ (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) مضى الكلام في لغو اليمين وحكمه في سورة البقرة ولا كفارة فيه عند أكثر المفسرين والفقهاء (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) معناه : بالذي عقدتم وتفسيره : أن يضمر الأمر ثم يحلف بالله فيعقد عليه اليمين وقيل : هو ما عقدت عليه قلبك وتعمدته (فَكَفَّارَتُهُ) أي كفارة ما عقدتم إذا حنثتم (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) قال أصحابنا : يعطي كل واحد مدين أو مدا ، والمد : رطلان وربع ، ويجوز أن يجمعهم على ما هذا قدره ليأكلوا ، فإن كان المساكين ذكورا وإناثا جاز ذلك (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) أي تعطيهم كما تعطي أهلك في العسر واليسر (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) لكل واحد منهم ثوب (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) معناه : عتق رقبة عبد أو أمة ، وهذه الثلاثة واجبة على التخيير (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) معناه : فكفارته صيام ثلاثة أيام وحد من ليس بواجد هو من ليس عنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته (ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدم ذكره من الكفارة (كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) يعني إذا حلفتم وحنثتم لأن الكفارة لا تجب بنفس اليمين ، وإنما تجب باليمين والحنث (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) قال ابن عباس : يريد لا تحلفوا