(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) معناه : كما بيّن أمر الكفارة وجميع الأحكام يبين لكم آياته وفروضه لتشكروه على تبيينه لكم أموركم ، ونعمه عليكم.
٩٠ ـ ٩١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) قال ابن عباس : يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر ، وقال في الميسر : يريد القمار وهو في أشياء كثيرة (وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ) ذكرناهما في أول السورة (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) المعنى : شرب الخمر ، وعبادة الأنصاب ، والإستسقام بالازلام ، رجس : أي خبيث من عمل الشيطان ، وإنما نسبها إلى الشيطان وهي أجسام لما يأمر به الشيطان فيها من الفساد ، فيأمر بشرب المسكر ليزيل العقل ، ويأمر بالقمار ليستعمل فيه الأخلاق الدنية ، ويأمر بعبادة الأصنام لما فيها من الشرك بالله ، ويأمر بالأزلام لما فيها من ضعف الرأي ، والإتكال على الإتفاق (فَاجْتَنِبُوهُ) أي كونوا على جانب منه : أي في ناحية (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) معناه : لكي تفوزوا بالثواب. وفي هذه الآية دلالة على تحريم الخمر في هذه الأشياء من أربعة أوجه (أحدها) أنه سبحانه وصفها بالرجس وهو النجس ، والنجس محرم بلا خلاف (والثاني) أنه نسبها إلى عمل الشيطان وذلك يوجب تحريمها والثالث أنه أمر باجتنابها والأمر يقتضي الإيجاب ـ والرابع ـ أنه جعل الفوز والفلاح في اجتنابها ثم بين تعالى أنه إنما نهى عن الخمر لما يعلم في اجتنابه من الصلاح وخير الدارين فقال : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) المعنى : يريد الشيطان إيقاع العداوة بينكم بالإغواء المزين لكم ذلك ، حتى إذا سكرتم زالت عقولكم ـ وأقدمتم من القبائح على ما كان يمنعه منه عقولكم (وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) أي يمنعكم عن الذكر لله بالتعظيم والشكر على آلائه (وَعَنِ الصَّلاةِ) التي هي قوام دينكم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) صيغته الإستفهام ومعناه النهي ، وهذا أبلغ في باب النهي من أن يقال : انتهوا ولا تشربوا.
٩٢ ـ لما أمر الله تعالى باجتناب الخمر وما بعدها عقبّه بالأمر بالطاعة له فيه وفي غيره فقال : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) والطاعة هي امتثال الأمر ، والإنتهاء عن المنهي عنه (وَاحْذَرُوا) هذا أمر منه تعالى بالحذر من المحارم والمناهي قال عطاء : يريد واحذروا سخطي ، والحذر : هو امتناع القادر من الشيء لما فيه من الضرر (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي فإن أعرضتم ولم تعملوا بما آمركم به (فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) معناه : الوعيد والتهديد ، كأنه قال : فاعلموا أنكم قد استحققتم العقاب لتوليكم عما أدى رسولنا إليكم من البلاغ المبين : يعني الأداء الظاهر الواضح.
٩٣ ـ (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) أي إثم وحرج (فِيما طَعِمُوا) من الحلال ، وهذه اللفظة صالحة للأكل والشرب جميعا (إِذا مَا اتَّقَوْا) شربها بعد التحريم (وَآمَنُوا) بالله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي داموا على الإيمان (ثُمَّ اتَّقَوْا) بفعل الفرائض (وَأَحْسَنُوا) بفعل النوافل ، وعلى هذا يكون الإتقاء الأول اتقاء الشرب بعد التحريم ، والإتقاء الثاني هو الدوام على ذلك ، والإتقاء الثالث اتقاء جميع المعاصي وضم الإحسان إليه (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أي يريد ثوابهم أو إجلالهم وإكرامهم وتبجيلهم.
٩٤ ـ ٩٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خصّ المؤمنين بالذكر وإن كان الكفار أيضا مخاطبين بالشرائع لأنهم القابلون لذلك ، المنتفعون به (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ) أي ليختبرن الله طاعتكم عن معصيتكم (بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) أي بتحريم شيء من الصيد ، ومعنى الإختبار من الله : أن يأمر وينهى ليظهر المعلوم ، ويصح