إليها طلبا للبرد من شدّة الحر الذي أصابهم أمطرت عليهم نارا فأحرقتهم ، فكان من أعظم الأيام في الدنيا عذابا وذلك قوله : (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ومعنى الظلة هاهنا : السحابة التي قد أظلتهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) واضحة على توحيد الله (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) فيها تسلية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإعلام له بأن الشر قديم (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) سلطانه (الرَّحِيمُ) بخلقه وقيل : العزيز في انتقامه من أعدائه ، الرحيم في انجائه من الهلاك لأوليائه.
١٩٢ ـ ٢١٢ ـ ثم بيّن سبحانه أمر القرآن بعد أن قصّ أخبار الأنبياء عليهمالسلام ليتصل بها حديث نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ) أي نزل الله بالقرآن (الرُّوحُ الْأَمِينُ) يعني جبرائيل عليهالسلام ، وهو أمين الله لا يغيره ولا يبدّله ، وسمّاه روحا لأنه يحيي به الدين وقيل : لأنه يحيي به الأرواح بما ينزل من البركات وقيل لأنه جسم روحاني (عَلى قَلْبِكَ) يا محمد ، وهذا على سبيل التوسع ، لأن الله تعالى يسمعه جبرائيل عليهالسلام فيحفظه ، وينزل به على الرسول ويقرأه عليه فيعيه ويحفظه بقلبه ، فكأنّه نزل به على قلبه وقيل معناه لقنك الله حتى تلقنته وثبته على قلبك ، وجعل قلبك وعاء له (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي لتخوّف به الناس وتنذرهم بآيات الله (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) أي بلغة العرب ، مبين للناس ما بهم إليه الحاجة في دينهم وقيل أراد به لسان قريش ليفهموا ما فيه ولا يقولوا ما نفهم ما قال محمد عن مجاهد وقيل لسان جرهم ، وإنما جعله عربيا لأن المنزل عليه عربي ، والمخاطبون به عرب ، ولأنه تحدّى بفصاحته فصحاء العرب ، وقد تضمنت هذه الآية تشريف هذه
__________________
له أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة.
وكان قدار عزيزا منيعا في قومه ، فانطلق قدار بن سالف ومصدع فاستغويا غواة ثمود ، فاتبعهما سبعة نفر واجتمعوا على عقر الناقة. قال السدّي وغيره : أوحى الله تعالى إلى صالح : أنّ قومك سيعقرون ناقتك ، فقال ذلك لقومه فقالوا : ما كنّا لنفعل ، فتقاسموا بالله لنبيتنّه وأهله ، قالوا : نخرج فيرى الناس أنّا قد خرجنا الى سفر ، فنأتي الغار فنكون فيه ، حتّى إذا كان الليل ، وخرج صالح الى مسجده أتيناه فقتلناه ، ثم رجعنا الى الغار فكنّا فيه ، ثم رجعنا فقلنا : ما شهدنا مهلك أهله ، فيصدّقوننا ، يعلمون أنّا قد خرجنا الى سفرنا ، وكان صالح لا ينام معهم في القرية ، ويبيت في مسجد يقال له مسجد صالح ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم ، وإذا أمسى خرج الى المسجد فبات فيه ، فانطلقوا فلما دخلوا الغار وأرادوا أن يخرجوا في الليل سقط عليهم الغار فقتلهم ، فانطلق رجال ممن اطلع على ذلك منهم فإذا هم رضخ فرجعوا وجعلوا يصيحون في القرية ... فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة.
وقال ابن إسحاق : إنما كان تقاسم التسعة على تبييت صالح بعد عقر الناقة ، وإنذار صالح إياهم بالعذاب. قالوا فانطلق قدار ومصدع وأصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء ، وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها ، وكمن لها مصدع في أصل أخرى ، فمرت على مصدع فرمى بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، وخرجت عنيزة وأمرت ابنتها ، وكانت من أحسن الناس ، فاسفرت لقدار ثم زمرته ، فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها ، فخرت ورغت رغاة واحدة وتحذر سقبها ، ثم طعن في لبتها فنحرها ، وخرج أهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه. فلما رأى الفصيل ما فعل بأمه ، ولى هاربا حتى صعد جبلا ثم رغا رغاء تقطع منه قلوب القوم ، وأقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه : إنما عقرها فلان ولا ذنب لنا ، فقال صالح : انظروا هل تدركون