وَهُمْ شاهِدُونَ) (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) بذلك (وَيُسْئَلُونَ) عنها يوم القيامة (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) أي لو شاء الرحمن أن لا نعبدهم ما عبدناهم ، فإنّما عبدناهم بمشيئة الله (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي لا يعلمون صحّة ما يقولون. هذا إشارة إلى بطلان قولهم لما لم يصدر عن دليل وعلم (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي ما هم إلا كاذبون.
٢١ ـ ٢٥ ـ لمّا حكى الله سبحانه تخرّص من أضاف عبادة الأصنام والملائكة إلى مشيئة الله قال : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) وهو استفهام بمعنى التقرير لهم على خطئهم والتقدير : أهذا الذي ذكروه شيء تخرّصوه وافتعلوه؟ أم آتيناهم كتابا (مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) أي مستمسكون بذلك ، فإذا لم يمكنهم ادعاء أنّ الله تعالى أنزل بذلك كتابا علم أن ذلك من تخرّصهم (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) أي على ملة وطريقة. عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدّي وقيل : على جماعة ، أي كانوا مجتمعين موافقين على ما نحن عليه ، عن الجبائي (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) نهتدي بهداهم.
ثم قال سبحانه (وَكَذلِكَ) أي ، ومثل ما قال هؤلاء في الحوالة على تقليد آبائهم في الكفر (ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (فِي قَرْيَةٍ) ومجمع من الناس (مِنْ نَذِيرٍ) أي نذيرا (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) وهم المتنعّمون الذين آثروا الترفّه على طلب الحجة ، يريد الرؤساء (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) نقتدي بهم فلا نخالفهم ، وأحال جميعهم على التقليد للآباء فحسب دون الحجة. والتقليد قبيح في العقول ، إذ لو كان جائزا لكان يلزم في ذلك أن يكون الحق في الشيء ونقيضه ، فكلّ فريق يقلّد أسلافه ، مع أنّ كلّا منهم يعتقد أن من سواه على خطأ وضلال وهذا باطل لا شبهة في بطلانه ، فإذا لا بدّ من الرجوع إلى حجة عقلية أو سمعية.
ثم قال سبحانه للنذير (قالَ) لهم (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) تتّبعون ما وجدتم عليه آباءكم ولا تقبلون ما جئتكم به ؛ وفي هذا أحسن التلطف في الاستدعاء إلى الحق ، وهو أنّه لو كان ما يدّعونه حقا وهدى ، وكان ما جئتكم به من الحق أهدى منه كان أوجب أن يتّبع ويرجع إليه. ثم أخبر أنهم أبوا أن يقبلوا ذلك (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أيها الرسل (كافِرُونَ) ثم ذكر سبحانه ما فعل بهم فقال : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بأن أهلكناهم وعجّلنا عقوبتهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أنبياء الله والجاحدين لهم. وفي هذا إشارة إلى انّ العاقبة المحمودة تكون لأهل الحق والمصدّقين لرسل الله.
٢٦ ـ ٣٠ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) حين رآهم يعبدون الأصنام والكواكب (إِنَّنِي بَراءٌ) أي بريء (مِمَّا تَعْبُدُونَ) ثم استثنى خالقه من جملة ما كانوا يعبدونه فقال : (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) أي سوى الله الذي خلقني وابتدأني وتقديره إلا من الذي فطرني.
قال قتادة : كانوا يقولون الله ربّنا مع عبادتهم الأوثان (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) إلى طريق الجنة بلطف من ألطافه ، وقيل : سيهدين إلى الحق بما نصب لي من الأدلة ، وفيه بيان ثقته بالله تعالى ، ودعاء لقومه إلى أن يطلبوا الهداية من عنده (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) أي جعل كلمة التوحيد وهي قول : لا إله إلا الله كلمة باقية في ذرّيّة إبراهيم ونسله فلم يزل فيهم من يقولها عن قتادة ومجاهد والسدّي ، وقيل : جعل هذه الكلمة التي قالها إبراهيم وهو براءة من الشرك باقية في ولده من بعده ، وقيل : الكلمة الباقية في عقبه هي الإمامة الى يوم الدين ؛ عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وعن السدّي قال : هم آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.