(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لعلهم يتوبون ويرجعون عما هم عليه إلى الاقتداء بأبيهم إبراهيم في توحيد الله تعالى كما اقتدى الكفار بآبائهم عن الفرّاء والحسن.
ثم ذكر سبحانه نعمه على قريش (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) المشركين بأنفسهم وأموالهم وأنواع النعم ولم أعاجلهم بالعقوبة لكفرهم (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ) أي القرآن ، عن السدّي ، وقيل : الآيات الدالة على الصدق (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) يبين الحق ويظهره وهو محمد (ص) (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) أي القرآن (قالُوا هذا سِحْرٌ) أي حيلة خفيّة وتمويه (وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) جاحدون لكونه من قبل الله تعالى.
٣١ ـ ٣٥ ـ (وَقالُوا) أي وقال هؤلاء الكفار (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) يعنون بالقريتين : مكة والطائف. ويعنون بالرجل العظيم من إحدى القريتين : الوليد بن المغيرة من مكة ، وأبا مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف. وإنما قالوا ذلك لأنّ الرجلين كانا عظيمى قومهما ، وذوي الأموال الجسيمة فيهما (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) يعني النبوة بيّن الخلق بين سبحانه أنه هو الذي يقسم النبوة لا غيره ، والمعنى : أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاؤوا؟!
ثم قال سبحانه : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي نحن قسمنا الرزق في المعيشة على حسب ما علمناه من مصالح عبادنا ، فليس لأحد أن يتحكم في شيء من ذلك ، فكما فضّلنا بعضهم على بعض في الرزق فكذلك اصطفينا للرسالة من نشاء (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) معناه : أفقرنا البعض وأغنينا البعض ، فتلقى ضعيف الحيلة ، عيّي اللسان وهو مبسوط له ، وتلقى شديد الحيلة ، بسيط اللسان ، وهو مقترّ عليه ، ولم نفوّض ذلك إليهم مع قلّة خطره ، بل جعلناه على ما توجبه الحكمة والمصلحة ، فكيف نفوّض اختيار النبوة إليهم مع عظم محلّها ، وشرف قدرها؟ (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) معناه : ان الوجه في اختلاف الرزق بين العباد في الضيق والسعة زيادة على ما فيه من المصلحة انّ في ذلك تسخيرا من بعض العباد لبعض بإحواجهم إليهم ، يستخدم بعضهم بعضا فينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم بذلك قوام أمر العالم (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي ورحمة الله سبحانه ونعمته من الثواب والجنة خير مما يجمعه هؤلاء من حطام الدنيا (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي لو لا أن يجتمع الناس على الكفر فيكونوا كلّهم كفّارا على دين واحد لميلهم إلى الدنيا ، وحرصهم عليها (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن سقفا من فضّة ، فالسقف إذا كان من فضّة فالحيطان من فضّة (وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) أي وجعلنا درجا وسلاليم من فضّة لتلك السقف عليها يعلون ويصعدون (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً) أي وجعلنا لبيوتهم أبوابا وسررا من فضّة (عَلَيْها) أي على تلك السرر (يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً) أي وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا. والمعنى : لأعطي الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها لقلّتها وحقارتها عنده ، ولكنّه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة ، ثم أخبر سبحانه أنّ جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا فقال : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) وقد مرّ بيانه (وَالْآخِرَةُ) أي الجنة الباقية (عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) خاصّة لهم.
٣٦ ـ ٤٠ ـ (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي يعرض عنه ، عن قتادة والسدي ، وقيل معناه : ومن يعم عنه ، عن ابن عباس وابن زيد.
قال الجبائي : شبههم بالأعمى لما لم يبصروا الحق ،