والذكر : هو القرآن (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) معناه : نخلّ بينه وبين الشيطان الذي يغويه ويدعوه الى الضلالة ، فيصير قرينه عوضا عن ذكر الله ، عن الحسن وأبي مسلم ، قال الحسن : وهو الخذلان عقوبة له عن الإعراض حين علم أنّه لا يفلح ، وقيل معناه : نقرن به شيطانا في الآخرة يلزمه فيذهب به الى النار ، كما أن المؤمن يقرن به ملك فلا يفارقه حتى يصير الى الجنة (وَإِنَّهُمْ) يعني وانّ الشياطين (لَيَصُدُّونَهُمْ) أي يصرفون هؤلاء الكفار (عَنِ السَّبِيلِ) أي عن طريق الجنة (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) أي ويحسب الكفار أنّهم على الهدى فيتبعونهم (حَتَّى إِذا جاءَنا) المعنى : حتى إذا جاءنا الكافر وعلم ما يستحقه من العقاب (قالَ) في ذلك الوقت لقرينه الذي أغواه (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) يعني المشرق والمغرب ، والمراد : يا ليت بيني وبينك هذا البعد مسافة فلم أرك ، ولا أغتررت بك (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) كنت لي في الدنيا حيث أضللتني وأوردتني النار ، وبئس القرين أنت لي اليوم ، فإنهما يكونان مشدودين في سلسلة واحدة زيادة عقوبة وغمّ. ويقول الله سبحانه في ذلك اليوم للكفار : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) أي لا يخفّف الاشتراك عنكم شيئا من العذاب لأنّ لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب. ثم قال لنبيه (ص) (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) شبّه الكفار في عدم انتفاعهم بما يسمعونه ويرونه بالصم وبالعمي (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي بيّن ظاهر معناه : لا يضيقنّ صدرك فإنّك لا تقدر على إكراههم على الإيمان.
٤١ ـ ٤٥ ـ ثم خاطب سبحانه نبيّه (ص) فقال : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) أي فإمّا نتوفينّك فإنا منهم منتقمون من أمتّك بعدك (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) معناه : أو نبقينّك ونرينّك في حياتك ما وعدناهم من العذاب (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) أي قادرون على الانتقام منهم وعقوبتهم في حياتك وبعد وفاتك.
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري قال إني لأدناهم من رسول الله (ص) في حجّة الوداع بمنى حتى قال : لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ثم أمره سبحانه بالتمسك بالقرآن فقال : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) من القرآن بأن تتلوه حقّ تلاوته ، وتتبع أوامره ، وتنتهي عما نهى فيه عنه (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي على دين حق وصواب وهو دين الإسلام (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي وإن القرآن الذي أوحي اليك لشرف لك ولقومك : أي للعرب ، لأنّ القرآن نزل بلغتهم (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) وقيل : تسألون عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقّه (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) معناه : سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلنا إليهم الرسل هل جاءتهم الرسل إلّا بالتوحيد ، وهو قول أكثر المفسّرين والتقدير : سل أمم من أرسلنا أو اتباع من أرسلنا فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقيل : إنّ المراد سل أهل الكتابين التوراة والإنجيل وإن كانوا كفّارا فإنّ الحجّة تقوم بتواتر خبرهم ، والخطاب وان توجه إلى النبي (ص) فالمراد به الأمة أي سلوا من ذكرنا (أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) أي هل جعلنا فيما مضى معبودا سوى الله يعبد؟ وقيل معناه : وسل الأنبياء وقد جمعوا له ليلة الاسراء وكانوا تسعين نبيّا منهم موسى وعيسى.
٤٦ ـ ٥٤ ـ ثم ذكر سبحانه حديث موسى (ع) فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) أي بالحجج الباهرة ، والمعجزات القاهرة (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي اشراف قومه ؛