منه أن يكون المستعمل أحول العينين ، إذ لا يلاحظ اللفظ على هذا المبنى وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين ، بل يكون اللفظ علامة لمعنيين ، وكاشفا عن تعلّق إرادة المتكلّم بتفهيم اثنين ، وهذا ممّا لا محذور فيه أصلا.
نعم سيجيء في ذلك المبحث إن شاء الله أنّ هذا خلاف الظاهر ، فيحتاج إلى قرينة دالّة عليه.
الثاني : أنّه بناء عليه تكون الدلالة الوضعيّة ـ كما ذكره العلمين : المحقّق الطوسي وبو علي سينا (١) تابعة للإرادة ، فإنّ الوضع على هذا فعل اختياري للواضع ، وقد ذكرنا أنّ كلّ شخص واضع ، فلا بدّ من تعلّقه بما يكون تحت اختياره ، ومن المعلوم أنّ نفس المعنى ممّا هو خارج عن تحت اختياره ، فلا يمكن أن يكون تحت اختياره ، وأنّ المقدور له هو تفهيم المعنى عند إرادته بذلك اللّفظ ، فالقول بأنّ الموضوع له اللفظ هو المعنى مسامحة ، بل هو تفهيم المعنى المراد به.
والإشكال على العلمين بأنّا ننتقل إلى معنى اللفظ ولو سمعنا من لافظ بلا شعور واختيار ، واضح الدفع ، حيث إنّ هذا الانتقال منشؤه أنس الذهن بالمعنى من كثرة استعمال اللفظ فيه ، ولذا يحصل ولو وجد اللفظ باصطكاك حجر على حجر ، ونسمّي هذه الدلالة بالدلالة الأنسيّة.
__________________
(١) كما في كفاية الأصول : ٣١.