وبالجملة : الحروف بأجمعها وإن وضعت لأنحاء التقيّدات والتخصّصات الجزئيّة الثابتة للمفاهيم الاسميّة ، كما أنّ الهيئات أيضا كذلك ، إلّا أنّ أغلبها مضيّق لسعة دائرة معاني الأسماء أفراديّة ، كما في «الصلاة في المسجد» أو تركيبيّة ، كأداة الشرط المقيّدة لإطلاق مضمون جملة الجزاء ، فإنّ الجزاء في قولنا : «إن جاءك زيد فأكرمه» له سعة وإطلاق ، ولو لا تعليقه على الشرط بواسطة «إن» يستفاد منه وجوب إكرام زيد مطلقا ، جاء أو لم يجئ ، ولكن لفظ «إن» الشرطية بما أنّه علّق المنشأ ـ أي الوجوب ـ على مجيء زيد فقد ضيّق وقيّد هذه السعة والإطلاق بصورة مجيء زيد فقط.
وغرضنا من التطويل في هذا المقام إبطال الكلام المعروف من أنّ معاني الحروف ملحوظات آليّة ، بل في بعض الكلمات أنّها مغفول عنها عند الاستعمال ، وتمام الالتفات والتوجّه إلى المعاني الاسميّة.
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا : أنّ هذا الفرق غير فارق ، وإنّما الفرق تمام الفرق أنّها متدلّيات ومتعلّقات في حدّ ذواتها وغير مستقلّة في أنفسها ، بخلاف المعاني الاسميّة ، فإنّها مستقلّة بأنفسها.
وأمّا الاستقلاليّة وعدمها من حيث اللحاظ فخارجة عن حقيقتها ، بل ربّما يتعلّق اللحاظ الاستقلالي بالمعنى الحرفي ،