على سليمان عليهالسلام فرجع إلى داود وقال : غير هذا أرفق ، فقال : وما ذاك؟
قال : ينتفع أهل الحرث بمنافع الغنم من درها وصوفها حتى يصلح فاستحسنه داود عليهالسلام.
وفي هذا تنبيهات :
الأول : هل كان فعلهما بوحي من الله تعالى ، أو باجتهاد منهما؟
فقال أبو علي : بل ذلك بوحي من الله سبحانه ، لكن فعل داود منسوخ بفعل سليمان.
وقيل : إن داود لم يحكم ، ولكن هم بالحكم.
قال أبو هاشم والقاضي : بل ذلك اجتهاد ، وأن للنبي أن يجتهد ، ويجوز أن يكون لمصلحة في الأخذ بالظن ، وإن أمكن العلم كقبول خبر الثقة في أشياء ولهذا قال تعالى : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً).
وأما قوله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) فالمراد ففهم الأرفق والأوفق ، وإن كان الاجتهادان حقا ، وهذا يدل على أن في المسألة أشبه ، كقول بعض الأصوليين وبعضهم ينفي الأشبه ، وتفسيره هل في المسألة حكم لو نص الله على شيء في المسألة لنص عليه أم لا؟
وقيل : فعل سليمان صلح والصلح خير ، وفعل داود حكم ولم يكن قد حكم ، وإنما قال : يكون الغنم لأرباب الحرث ؛ لأن قيمتها تساوي قيمته.
التنبيه الثاني : أن يقال : ما الوجه في قول كل واحد منهما؟
وجوابه : أن داود عليهالسلام رأى أن تلف الحرث بفعل الغنم فسلمت إلى صاحب الحرث ، ونظير هذا في شريعتنا قول أبي حنيفة في العبد إذا جنى على الغير فإنه يدفعه المولى بجنايته أو يفديه ، كما هو مذهب الأئمة.