[أ] ـ «كما يزلُّ المطر عن الصفا» : هو مقصورٌ جمع الصفاة ، وهو الحجر الصلد الَّذي لا يستقر عليه الماء فلا ينبت (١) ، شبّه المعقول ـ أعني عدم تأثر القلب بموعظة مثل هذا الواعظ ـ بالمحسوس ـ أعني عدم تأثر الصخرة الصمّاء من المطر ـ لزيادة التقرير والإيضاح كما هو شأن الحكماء والبلغاء ، ولا شك أن الموعظة إذا خرجت من القلب دخلت في القلب ، وإذا جرت من اللّسان لم تتجاوز الآذان ، فإن من خالف قوله فعله لا يبقى لقوله تأثير في القلوب ، ومتابعة قوله بالخصوص دون فعله ترجيح بلا مرجَّح ؛ لأنَّ العالم إذا لم يظهر من علمه إلا لقلقة اللّسان من غير أن تظهر منه عبادة ، كان عالماً ناقصاً ، فأمَّا إذا كان يفيد الناس بألفاظه ومنطقه ثُمَّ تشاهده الناس على قدم عظيمة من العبادة ، فإنَّ النفع به يكون عامّاً تامّاً وذلك ؛ لأن الناس يقولون : لو لم يكن معتقداً حقّية ما يقول لما أدأبَ نفسه هذا الدأب ، وأمّا الأول فيقولون فيه : كلّ ما يقوله نفاق وباطل ؛ لأنه لو كان يعتقد حقّية ما يقول لأخذ به ، ولظهر ذلك في حركاته ، فيعتقدون بفعله لا بقوله ، فلا يشتغل أحد منهم بالعبادة ولا يهمّ بها.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «أوضع العلم ما وقف على اللّسان ، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان» (٢).
فکنّی عليهالسلام بالأول عن العلم الَّذي لا عمل معه ، وظهوره وقف على اللّسان فقط ، وهو أنقص درجات العلم ، وأراد الثاني المعلم المقرون بالعمل ، فإنَّ الأعمال الصالحة لمّا كانت من ثمرات العلم بالله وما هو أهله ، كان فيها ظاهرٌ
__________________
(١) لسان العرب ١٤ : ٤٦٤.
(٢) نهج البلاغة ٤ : ٢٠ ح ٩٢.